وصف الكتاب:
لاشك في ان عقد الزواج هو من اسمى واقدس العقود لما يتضمنه من بناء شامخ للآسرة التي هي نواة المجتمع. ولما كان هذا العقد من سماته الأبدية إلا إن هذا لا يعني البقاء او الخلود الدائم او السرمدي حتى وفاة احد الزوجين، ذلك ان هذا العقد قد تعتريه من الامور ما يحد من بقائه، سواء بطلاق يقع من الزوج ام بخلع يتفق عليه كلا الزوجين ام بفرقة يوقعها القاضي بناء على طلب احد الزوجين. وما يهمنا في هذا الامر هي الفرقة الزوجية التي يوقعها القاضي، فأسبابها وان كانت عديدة إلا إن من اهم هذه إلا سباب ما يعرف بالتفريق للضرر المادي والمعنوي الذي يصيب احد الزوجين من قبل الاخر، ذلك ان هذا الضرر مع بقائه يتعذر معه الاستمرار بالحياة الزوجية بعطاء بل هو قدح في صميم هذه العلاقة يولج مشاعر البغضاء تجاه الاخر لاسيما المتضرر تجاه مرتكب الفعل الضار. ولما كان التفريق للضرر المادي والمعنوي هو محل خلاف بين الفقهاء المسلمين فيما يخص جوازه من عدمه مجيز ومانع إلا إن موقف التشريعات الوضعية، لاسيما العربية منها، يرى جواز اللجوء اليه وان اختلفت في بيان الجهة التي صاحبة حق طلب التفريق (بين من يعطيها للزوج والزوجة معا وبين من يقصرها على الزوجة فقط على اعتبار ان الزوج بيده العصمة، ومن ثم الطلاق). ولا شك في ان بيان مدلول الضرر سواء المادي منه او المعنوي من الاهمية ما يستوجب البحث عنه، ذلك ان الضرر هو امر نسبي يختلف بين الاشخاص والازمان بل حتى بين الدول. ان البحث في هذا الموضوع يثير تساؤلات عده منها ماهية مفهوم الضرر المادي والمعنوي؟ وما هو معياره؟ وما هو وجه التمييز بين التفريق للضرر المادي والمعنوي والتفريق للخلاف؟ وما هي شروط التفريق للضرر؟ وسنحاول الإجابة في هذا البحث عن هذه التساؤلات بأسلوب مقارن بين الفقه الاسلامي من جهة وبين القانون العراقي والمصري والاردني من جهة اخرى مع بيان موقف التشريعات الغربية قدر الامكان، كلما دعى الامر لذلك. كما اننا سنركز في دراستنا، فيما يخص القانون العراقي، على الفقرة الاولى من م (40) من قانون الاحوال الشخصية النافذ دون بقية الفقرات الاربع الاخرى لهذه المادة، كونها بعيدة، براينا، عن نطاق بحثنا وتقترب من احوال الفرقة لأحوال اخرى للضرر غير موضوع بحثنا، وسنعالجها في بحوث قادمه.