وصف الكتاب:
تلجأ الإدارة في مباشرة أنشطتها القانونية المختلفة الى أسلوبين:الاول: يتخذ صورة القرار الإداري، والآخر يتمثل بالعقد الإداري، ولعل نقطة الانطلاق في دراسة موضوع فسخ العقد الإداري قضائياً لخطأ الإدارة تبدأ من العقد الإداري الذي ثارت بشأنه العديد من الخلافات الفقهية. فقد هاجم بعض الفقهاء وعلى رأسهم ديجي فكرة وجود العقد الإداري المتميز عن عقود القانون الخاص بنظامه القانوني وآثاره مؤكدين إن العقد الإداري وعقود القانون الخاص تخضع الى الأسس والعناصر الجوهرية نفسها، ولكن سرعان ما تبين عدم صحة ما ذهب اليه ديجي امام قوة الحجج التي تزعمها الفقيه جيز، التي تنصب على ان العقد الإداري يعد عقدا متكاملاً من حيث اركانه الأساسية على رغم انه يمنح الإدارة سلطات استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص. فضلا عن ذلك، فأنه يهدف الى تحقيق اغراض المرفق العام وتلبية متطلبات المصلحة العامة، الا إن العقود التي تبرمها الإدارة لا تكون بالضرورة عقودا إدارية فهي قد تكون خاضعة الى قواعد القانون الخاص واختصاص القضاء العادي عندما لا تتوافر فيها شروط العقد الإداري، في حين نجد إن العقود الإدارية تخضع لاختصاص القضاء الإداري ولمبادئ القانون الإداري، ويترتب على ذلك نتائج متعددة منها إن الإدارة تصبح الطرف الأقوى في ميدان العقد الإداري تجاه المتعاقد معها كونها تهدف من خلال تدخلها في هذا المجال الى النهوض بالأعباء الملقاة على عاتقها وتحقيق الصالح العام من خلال ضمان استمرار أداء المرفق لخدماته. لذا كان من الطبيعي أن تملك الإدارة من السلطات والامتيازات ما تفوق به قدرة المتعاقد معها إلا إن العقد الإداري إذا كان يمنح الإدارة المتعاقدة قدراً من الامتيازات فهو بالمقابل يرتب عليها واجب احترام التزاماتها العقدية. والاّ فأنها تكون قد أخطأت تجاه من يتعاقد معها. وهنا نتساءل كيف يمكن ان يواجه المتعاقد خطأ الإدارة؟ وهل سيتمكن من فرض عقوبة عليها؟ وما هو الجزاء الذي يمكن أن يفرض على الإدارة وكيف؟ جملة تساؤلات سيتم الإجابة عنها عند تصفح هذه الرسالة. من المعلوم ان المتعاقد شخص (فرداً كان أو شركةً) لا يملك أي سلطة تمكنه من مواجهة خطأ الادارة لذا فهو يجد في القضاء الملاذ الآمن والوسيلة التي من خلالها يتمكن من اقتضاء حقوقه ولكن بعد استنفاد الوسائل المنصوص عليها في الشروط العقدية أو النصوص القانونية من دون ضرورة اللجوء الى القضاء لتلافي طول المراجعات القضائية. لذا فان اللجوء الى قاضي العقد يمثل المرحلة الأخيرة عندما لا تحقق الإجراءات السابقة الغاية التي قصدها المتعاقد. ونعني بالقضاء في هذا الاطار القضاء الإداري في الدول التي تتبنى القضاء المزدوج والقضاء العادي في الدول التي تعتنق نظام القضاء الموحد. ويبقى الأمر من اختصاص قاضي العقد إن شاء فسخ العقد مع تعويض المتعاقد عما اصابه من اضرار جراء جسامة خطأ الإدارة المتعاقدة، وله ان يرد دعوى المتعاقد بالفسخ مقتصراً على الحكم بتعويض عادل للمتعاقد مع استمرارية قيام المتعاقد بتنفيذ التزاماته العقدية. إذ لا يحق له الاستفادة من نظام الدفع بعدم التنفيذ المعروف في اطار القانون الخاص. ولعل ما دفعنا الى اختيار هذا الموضوع سببين هما : اولاً: النظري من يتعمق في دراسة امهات الكتب القانونية التي تناولت مسألة العقد الإداري يجد ان جزاء فسخ العقد الإداري قضائياً لخطأ الإدارة، من بين المواضيع التي لم تنل البحث والتفصيل الكافي، على الرغم من أن مسيرة البحث العلمي في ميدان القانون الإداري لا سيما على مستوى الرسائل الجامعية قد تناولت معظمها مشكلة فسخ العقود الإدارية لخطأ المتعاقد تجاه الإدارة من دون الخوض في موضوع فسخ العقد لخطأ الإدارة بالذات. لذا فأن هذه الدراسة تعد محاولة لتسليط الضوء على الوجه الآخر من أسباب الفسخ من اجل تقديم إضافة علمية الى حقل الاختصاص الدقيق. ثانيا:العملي فسخ العقد الإداري لخطأ الإدارة يعد من بين المواضيع الأصيلة التي لا تزال بحاجة الى مزيد من الدراسة لأهميته من الناحية التطبيقية ولاسيما انه الضمانة القضائية المقررة للمتعاقد تجاه تعسف الإدارة في استخدام سلطاتها في العقد مما يؤدي الى إلحاق الضرر بالمتعاقد الذي من مصلحته ان يصل الى فسخ العقد من قبل القضاء. وبهذا يعد الفسخ من اشد الجزاءات التي تتقرر قضائياً. الا أن فسخ العقد لخطأ الإدارة يقتضي تحديد التزامات المتعاقد من جهة وماهية الواجبات التي تلقى على عاتق الإدارة من جهة أخرى. لذا فقد وجدنا ان هذا الموضوع من بين المسائل الدقيقة التي تستدعي الخوض في غمارها وتناولها بالبحث والتفصيل لغرض الوقوف على أخطاء الإدارة بالرغم من قلة المصادر القانونية التي تتعلق بفسخ العقد لخطأ الإدارة فضلا عن ذلك ندرة القرارات القضائية التي تقضي بفسخ العقد لخطأ الإدارة مقارنة بالقرارات المقررة لفسخ العقد لخطأ المتعاقد. عليه سيتم تقسيم محاور الكتاب على فصل تمهيدي نتناول فيه التعريف بالعقد الإداري والنظرية العامة للفسخ، وبابين: الأول يقف أمام الأساس القانوني لفسخ العقد الإداري لخطأ الإدارة متناوليه بفصلين، الأول يتناول إخلال الإدارة بالتزاماتها ذات الصفة المالية موضحين بشكل بارز فكرة تعديل الإدارة للعقد الإداري وحقوق المتعاقد المالية. أما الفصل الثاني فيشير الى مسألتين، الأولى إخلال الإدارة بتنفيذ التزاماتها السابقة على تنفيذ العقد، أما الثانية فتؤكد على إخلال الإدارة بالتزاماتها أثناء تنفيذ العقد. أما الباب الثاني فيترجم الأحكام العامة لفسخ العقد الإداري قضائياً الى فصلين: الاول، يبين شروط فسخ العقد الإداري قضائياً، اما الثاني فيوضح النتائج المترتبة على فسخ العقد الإداري قضائياً.