وصف الكتاب:
يُعدُّ حق الإنسان من الحقوق الأساسيّة والجوهريّة؛ لكونه يشكِّل الإطار الذي يستطيع أن يمارس داخله حقّه في حياته الخاصّة، وإذا دقَّقنا النَّظر في هذه الحقوق من حيث تعلُّقها بحريّة الفرد وسكينته؛ لوجدنا أنَّ أهمّها حقّه في صيانة مستودع أسراره، ألا وهو مسكنه، الذي يُعدُّ من أغلى مقدَّسات الفرد. وتجد حرمة المسكن سندها الأول في الشَّريعة الإسلاميّة الغرَّاء، إذْ ورد النصّ القرآني صريحاً في نهيه عن دخول الفرد مسكن غيره حتَّى يستأذن، ويجد الترحاب والقبول، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ: النور: الآيتان (27، 28).. ويتَّفق منهج التشريع المقارن على الحماية الجنائيّة لحرمة المساكن، إذْ ترقى هذه الحماية إلى مصاف الحماية الدستوريّة في كافة دساتير العالم، حيث نصَّ الدستور الأردني على أنَّ: "للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها إلاَّ في الأحوال المبيَّنة في القانون، وبالكيفيّة المنصوص عليها فيه"، وكذلك الحال نصَّت المادة (39) من الدستور المصري على حرمة المسكن، بقولها: "للمنازل حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها ولا مراقبتها إلاَّ في الأحوال المبيَّنة في القانون". وقد حظي المسكن بحماية من المواثيق والاتفاقيات الدوليّة، والتي أفردت له نصوصاً لاعتباره حقَّاً من الحقوق الأساسيّة، فقد تطرَّق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لحرمة المسكن، وعالجته الاتفاقيّة الأوروبيّة لحقوق الإنسان، والحريات الأساسيّة، والعهدان الدوليان، والميثاق العربي لحقوق الإنسان، ممَّا يدلِّل على مدى الأهميّة المفروضة للمساكن. لذا؛ حرص المشرِّع الجزائي في العديد من الدُّول على تجريم واقعة انتهاك حرمة المسكن بالنص على معاقبة كل من ينتهك حرمة المسكن ومُلك الغير، فقد ذهب المشرِّع الأردني إلى القول: "من دخل مسكناً آخر أو ملحقات مسكنه خلافاً لإرادة ذلك الآخر، وكذلك من مكث في الأماكن المذكورة خلافاً لإرادة من له الحق في إقصائه عنها عوقب بالحبس"، وفي المقابل ذهب المشرِّع المصري إلى القول: "كل من دخل بيتاً مسكوناً أو معدَّاً للسكن، أو في أحد ملحقاته، يعاقب بالحبس". ويُعدُّ تفتيش المسكن من أكثر الإجراءات التحقيقيّة مساساً بحرمة المسكن؛ نظراً لخطورته، فقد أحاطته التشريعات الإجرائيّة المقارنة بالعديد من الضمانات التي تجعل هذا الإجراء يتمُّ ضمن نطاق الشرعيّة الإجرائيّة، ومن أبرز هذه الضمانات، الضوابط الموضوعيّة والشكليّة لتفتيش المساكن، حيث لا يجوز دخول المنازل وتفتيشها إلاَّ إذا كان الشخص الذي يُراد دخول منزله وتفتيشه مشتبهاً فيه بأنَّه فاعل جرم أو شريك أو متدخِّل فيه أو حائز أشياء تتعلَّق بالجرم أو مخفِ شخصاً مشتكى عليه. إلاَّ أنَّ هذه الضمانات تصبح عديمة الجدوى ما لم يقرَّر جزاء لمخالفتها، لذلك تؤكِّد التشريعات المقارنة دائماً على وجود جزاءات تحيط بهذه الضمانات، ولعلَّ الجزاء الرئيسي المترتِّب على مخالفتها هو البطلان باعتباره الجزاء الإجرائي الذي يكفل حماية حرمة المسكن، ويضمن الحقوق والحريات الفرديّة ومصلحة المجتمع معاً، ودون تفريط لأيٍ منهما. أهميّة الدِّراسة: تتجسَّد أهميّة هذه الدِّراسة من خلال تسليطها الضوء على مواقف التشريعات المقارنة من موضوع الحماية الجنائيّة لحرمة المساكن، من حيث أساس تجريمه في قانون العقوبات هذا من جهة، ومن جهة أخرى البحث في الضمانات الإجرائيّة التي استقرَّت عليها التشريعات وجعلتها ضمانة تهدف من ورائها إلى حماية حقوق الأفراد وحرياتهم، فالقانون الجنائي يوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة للفرد، ويقرُّ ما يهمّ المجتمع، ويضمن سيره وفعاليته.