وصف الكتاب:
هناك من يتساءل عن وجود الفن الشعري، وضرورته، نتيجة للطبيعة الحضارية المتغيرة للعصر، ولتراسل الأجناس الأدبية، على نحو بات يبشر بميلاد فنون جديدة تتقارب فيها الأنواع وتتداخل فيما بينها، من ناحية، وفيما بينها وبين غيرها من ناحية أخرى. بل قد تتناسخ وتتوالد من جديد، مستدفئة بأحضان ثورة الاتصال والإعلام، في مواجهة القول بالحدود الفاصلة، أو إلغاء تلك الحدود، أو القول بمرونة التمازج والتزاوج بين الأجناس الأدبية، ومع التسليم بالوجود الحتمي للشعور في كل فن: قولي،أو سمعي، أو بصري، لمْ تنقض نهايات القرن العشرين إلا وقد طرح نداء مستحدث، هو: " الرواية ديوان العرب"، بديلا عن شعار موروث هو: " الشعر ديوان العرب "، وما ذلك لدى الشعراء والواقع بمقبول. وحين رحب النقد الحديث بحركة الشعر الجديد: السطري التفعيليّ، لم يكن من همّ النقاد، ولا من همّ حركة الشعر الجديد، القضاء على الشكل الموسيقي التراثي الشطري. بل الأكثر من ذلك أننا وجدنا من رواد الشعر الجديد من يصْطفون، وينتخبون مختارات شعرية تراثية الموسيقى، ويقدّمونها لشداة الشعر. بل كثيرا ما نرى لدى كبار شعراء التفعيلة، ولدى الأصلاء منهم، قصائد من ذلك النوع التراثي، حيث بدأ بعضهم الشعر عموديا، وصرنا نجد في ديوان هذا الشاعر، أو ذاك غلبة الشعر ذي الطابع الموسيقي الجديد، مع وجود قصيدة أو أكثر من الموسيقى التراثية، أو العكس. بل إن من قصائد الشعر الجديد ما قد يكون الفضاء الكتابي للقصيدة فيه جديدا، بينما تكون الهندسة التراكمية للنسق التفعيلي فيه تراثية، وفي الوقت نفسه تشبث شعراء بالقالب العمودي على نحو يفوق الحصر، ناسجين على منوال أمثال من عرفنا في مدارس الشعر المتعاقبة منذ الإحيائيين،