وصف الكتاب:
يعتبر اهتمام المجتمع الدولي بقضايا حقوق الإنسان مبررا لما يتردد اليوم من مفاهيم و أفكار حول حقوق الإنسان وحرياته المختلفة، ترجم هذا الاهتمام من خلال الإعلان عن وثائق دولية عديدة تتعلق بحماية تلك الحقوق و ضماناتها، "وآخرها ظهور قانون دولي لحقوق الإنسان يضمن القواعد الخاصة بكفالة تلك الحقوق وحمايتها، وكيفية تطبيق هذه القواعد بصورة تضمن عدم المساس بالحقوق والحريات المعترف بها بموجب القوانين الداخلية أو بموجب الاتفاقيات الدولية التي تكون الدولة أحد أطرافها" . حقوق الإنسان صنف خاص من الحقوق، فهي تلك الحقوق التي يمتلكها المرء ببساطة لأنّه إنسان وهي بالتالي حقوق أخلاقية رفيعة المستوى . أمّا حقوق الإنسان كممارسة فهي تلك الحقوق التي يتمتع بها الأفراد والجماعات بالفعل ويمارسونها، بغض النظر عن الالتزام الرسمي الذي تقوم به الحكومات نحو الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المعنية بحقوق الإنسان . لقد كافح الإنسان على مرّ العصور من أجل حقوقه و حرياته و الاعتراف بشخصيته وكرامته، وتوسع مفهوم حقوق الإنسان من حقوق الفرد المدنية والسياسية إلى حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ليشمل هذا المفهوم ميادين أخرى في حياة الأفراد والجماعات بما في ذلك الحق في الاتصال، كما أدّت الثورة التكنولوجية في مجال الاتصالات، وظهور وسائل حديثة كالانترنيت وما توفره من معلومات، أدّت إلى توسيع نطاق حقوق الإنسان التي اكتسبت صفة العالمية وأصبح الإنسان أمام تحديات جديدة تلزمه معرفة حقوقه المختلفة. لقد شهد القرن العشرين العديد من التغييرات في وظائف الإعلام و الاتصال في المجتمعات المعاصرة، ساعدت هذه التغييرات على إبراز حدة التناقض بين التأثير الضخم لوسائل الإعلام والاتصال من ناحية، و بين النصوص الجامدة التي لا تتواكب مع هذه التغييرات من ناحية أخرى، مما يستلزم إعادة النظر في الاتصال كظاهرة مجتمعية معاصرة و فتح الطريق أمام مزيد من المشاركة الجماهيرية الواسعة في مختلف العمليات الاتصالية الفردية و الجماعية . و إذا كان الحق في الاتصال يمثل الوجه الاجتماعي للحرية بمعناها المتكامل، فمن الضروري توفير بعض الضوابط في مجال تطبيقه مثل توفير فرص متكافئة لجميع أفراد المجتمع للمشاركة في العمليات الاتصالية، والاهتمام بالحقوق الاتصالية للأقليات في تطوير ثقافاتها و لغاتها من خلال وسائلها الاتصالية الخاصة بها. من الإشكالات التي تواجه الباحث عند معالجة موضوع الحق في الاتصال و مكانته في التشريعات المنظمة للسيولة الإعلامية على المستوى الدولي، الإقليمي أو المحلي، إشكالية عدم تحديد ملامح مفهوم الحق في الاتصال كونه مفهوما جديدا لم تتبلور بعد صياغته، "فالحق في الاتصال تعبير مستحدث و قد صادف مستحدثوه عناءا شديدا في توصيله إلى أذهان المشتغلين بعلوم الاتصال أو الممارسين له، فمنهم من أنكره في البداية و لم يجد له دواعي أو مبررات ومنهم من آمن به متأخراً بعد الدراسات و البحوث و الندوات و الحلقات الدراسية و المناقشات" .