وصف الكتاب:
هوته تدوم. لذا، يبدأ بها صباحَهُ باكراً. ويُكملُ نصفَها فـي منتصف النَّهار. تُلازمه. ربما تكونُ رائحةُ طزاجتِها الأولى هي ما يجعلُهُ يستمر فـي ارتشافِها رغم بُرودتِها، وربَّما هنالك أشياءُ أخرى لا يُفصحُ عنها. ربَّما يشعرُ بالواجبِ والمسؤوليَّةِ تجاهها. قهوته مسكوبة فـي كوبٍ من ورق. يتغيَّرُ لونُهُ وشكلُهُ وحجمُهُ كلَّ يوم بحسب اختلافِ «كشك» الشِّراء. يقضيان معاً نهاراً كاملاً! إلّا أنَّهُ يترُكُها على سطح طاولةٍ، أو عند أوَّل حافة، متى انتهى النَّهار. يتركها دون رشفةٍ أخيرة أو حتى كلمة وداع. يتركها ليعودَ إلى عالمِهِ؛ واثقاً أنَّ كوباً ورقيّاً آخرَ من القهوة ينتظره فـي أحد الأكشاك، غداً وبعدَ غدٍ آخر وآخر! من العلامات اللافتة فـي هذا النصّ المتعدد، اكتفاءُ كل حالةٍ فيه بنفسها تخطيطاً موحياً بما هو أكثر، وتكامل حالاته بوصفها «بانوراما» ملتحمة الحدود، أو قُلْ إنها لوحة فسيفساء، إذا ما انضفرَت التخطيطات معاً. على هذا النحو الذي تجرّأَت عليه كاتبتُه فـي بنائه الحثيث، صار أن توفَّرَ للقارئ نصّاً مشهدياً واحداً ذا طبقات، فـي كتاب يراودُ حالاتِه بما لا تحتويه ويستنطقها. يستنطقها تاركاً للقراءات المستقبِلة مساحاتها فـي التأويل المتحرر من أيّ «فكرة» مسبقة. ولعلّ انطلاق الكتابة فـي مبتدئها وقد تخففت من فكرة مسبقة، لكنها التزمت بالتداعيات الناتجة عمّا كُتبَ وأُنْجِز، كان أن أصبحَت «المراودات» لُبَّ النصوص متفرقةً ومتجمعة فـي آن.