وصف الكتاب:
انتـهج الجاحظُ في كتبه ورسـائله أسلوباً بحثيًا أقلُّ ما يقال فيه إنَّهُ منهجُ بحثٍ علميٍّ مضبوطٌ ودقيقٌ، يبدأ بالشَّك لِيُعْرَضَ على النَّقد، ويمرُّ بالاسـتقراء على طريق التَّعميم والشُّـمول بنـزوعٍ واقعيٍّ وعقلانيٍّ، وهو في تجربته وعيانه وسماعه ونقده وشكِّه وتعليله كان يطلع علينا في صورةِ العالم الذي يُعْمِلُ عقله في البحث عن الحقيقة، ولكنه مع ذلك، استطاع برهافة حسِّه أن يصبغ على بحثه صبغة أدبيَّةً جماليَّة تُضفي على المعارف العلميَّة رواءً من الحسن والظَّرافة، يرفُّ بأجنحته المهفهفة رفرفة العاطف الحاني على معطيات العلم في قوالبها الجافية، ليسيغها في الأذهان ويحببها إلى القلوب، وهذه ميزة قلَّت نظيراتها في التُّراث الإنساني. نقده المنهجيُّ فما أكثر ما تجلَّى في كتبه ورسائله في تعامله مع مختلف الموضوعات المعرفيَّة؛ العلميَّة والأدبيَّة، ومن ذلك نقده لعلماء عصره ومحدِّثيه ورواته وفقهائه والعلماء السَّابقين، والشَّواهد على ذلك جدِّ كثيرة، تجعلنا حقًا في حيرة أمام اختيار واحد منها.