وصف الكتاب:
غياب الدولة أو تغييبها في بلاد العرب يجعل الوفاء بمطلبيّ الخبز والأمن، ناهيك عن مطلب حكم القانون، أمراً بالغ الصعوبة. تزداد الأزمة تعقيداً مع انهيار المجتمع. ذلك أن النسيج الاجتماعي في بلادنا العربية المطبوع بتعددية قَبلية ومذهبية وإثنية عميقة تعرّضَ على مرّ التاريخ لتدخلات قوى خارجية أمعنت فيه تمزيقاً وتجزيئاً على نحوٍ أنتج ظاهرة لافتة هي خضوع العرب على امتداد ألف سنة من تاريخهم إلى سلطة حكّام أجانب (راجع كتاب شارل عيساوي: تأملات في التاريخ العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1991). لم يكن حكّام العرب "الوطنيون" أرحم بهم من حكامهم الأجانب إذ استخدموا أيضاً العصبيات القبلية والمذهبية والإثنية وسائلَ للتمزيق والتفريق والتحكّم والاستغلال. وليس أدل على اعتمادهم هذا النهج من حال الانشقاق السنّي-الشيعي وتداعياته السياسية والاجتماعية القاسية على مجتمعاتنا كافة، وصعود حركات الإسلام السياسي المتطرف والتنظيمات الإرهابية المعتمدة نهج إدارة التوحش. هكذا يجد العرب أنفسهم اليوم، ولاسيما عرب المشرق ووادي النيل، أمام تحديين بالغي الخطورة: الصهيونية العنصرية والإرهاب التكفيري. واللافت أن كِلا التحديين يحظيان بدعم قوى ومستدام من دول كبرى كما من قوى سياسية وشرائح اجتماعية واسعة داخل بلادنا. ما العمل؟ صحيح أن للخبز والأمن أولوية مطلقة في حاضرنا، لكن ثمة حاجة أخرى ترتقي أيضاً إلى مرتبة الأولوية هي ضرورة المقاومة والنهضة. أجل، وجودنا أصبح مشروطاً بمقاومتنا للتحديين الصهيوني والإرهابي. بل إن نهضتنا مشروطة بقدرتنا على مقاومة الفكر الماضوي، بما يحمله من حركات إسلاموية تكفيرية وإرهابية، والانفتاح على ثقافة العقل والحرية والشورى والديمقراطية والعلم والتنمية. من دون الحرية والعقلانية والعلم لا نستطيع أن نعيد بناء مجتمعنا ونؤسس دولتنا المدنية الديمقراطية. ذلك أن المجتمع الحر المتماسك شرط أساس لبناء الدولة بما هي الإطار الحقوقي والسياسي والاقتصادي والثقافي لإدارة المجتمع وحمايته وإنمائه.