وصف الكتاب:
نادراً ما يمكن لبلد من البلاد القليلة السكان أن يتغيّر بسرعة خلال فترة قصيرة من الزمن. ارتفعت قطر من دولة راكدة مُنهكة اقتصاديّاً لتكون من أغنى دول العالم، ولكل فرد في غضون عقود من الزمن لم يسبق لها مثيل. هذا النمو المتصاعد هو أكثر إثارة للانتباه منذ أن كان وضع قطر السابق من بين أفقر فقراء الأمم، وهذا في الذاكرة الحيّة للجيل الأكبر سنّاً من القطريين.كان انهيار سعر اللؤلؤ والعراقيل الناتجة عن الحرب العالمية الثانية قد ألحق ضرراً كبيراً بالصادرات التقليدية من الخليج. لكن حتى وفقاً لمعايير الخليج الكئيبة، وكان القطريون أكثر هامشية وتخلفاً، وأكثر تراجعاً اقتصادياً من المواطنين الفقراء في الكويت والبحرين أو دبي.في عام 1940 قدم المُقيم السياسي البريطاني لمحة عن الدوحة عاصمة قطر: [الدوحة] هي أكثر بقليل من قرية صيد بائسة تكافح على طول الساحل لعدّة أميال وأكثر من نصفها في حالة خراب، يتألف السوق من أكواخ مليئة بالذباب وكانت الطرق مسارات ترابية، لم يكن هناك كهرباء، وكان الناس يجلبون الماء في جلود وحوايا من الآبار التي تبعد ميلين أو ثلاثة أميال خارج المدينة، وكان عدد سكان قطر قد انخفض الى 16000 نسمة. قرى بأكملها بقيت لقرون وقد أخليت من سكانها حيث هاجرت القبائل بشكل جماعي الى الشواطئ المجاورة والأكثر ازدهاراً.في عام 1944 فقط 600 صياداً من الصيادين كانوا يعملون في حصاد اللؤلؤ، مقابل 6000 صياداً يعملون قبل 20 عاماً. بسبب هذا التناقض الهائل كان العديد من القطريين يعانون من ضائقة مالية مريعة وحرجة، وكان الشيء الوحيد الذي جعلها أفضل من أي الأماكن الفقيرة على الأرض هو حقيقة أنها لم تكن مسرحاً للحرب.بعد نحو 15 عاماً فقط من عام 1950 في نهاية "سنوات المجاعة" ومع ذلك، فإن الزائر كان يمكنه الملاحظة أن الدوحة قد أصبحت: مدينة مترامية الأطراف من المباني الاسمنتية، وإشارات المرور والطرق الدائرية وأكشاك الصودا؛ وتكييف الهواء قد أصبح طاغياً.وقد تم استصلاح منطقة الواجهة البحرية، وتمت إزالة الكثير من القذارة؛ ونمت أسواق تجارية فخمة جديدة وكبيرة، وكما تبدلت الحياة الاجتماعية التقليدية من مكان يتسم بالفقر في الأربعينيات إلى قرية صيد كبيرة في عام 1955، وأصبحت المدينة الكبيرة في العام 1965 عاصمة كبرى نامية ذات رأس مال ضخم في السبعينيات.الدوحة الآن هي عاصمة من أكثر البلدان نجاحاً اقتصادياً في العالم. والذين أجبروا على البقاء على قيد الحياة في المياه المالحة، وتعرضوا للموت جوعاً بسبب انهيار سوق اللؤلؤ؛ يمكنهم الآن العيش تقريباً على مكيفات الهواء، والتنقل بين الفنادق من فئة الخمس نجوم، وحتى الجامعات من فئة الخمس نجوم المستوردة لسبل النجاح من الخارج.وازدهرت الكتلة السكانية في قطر، متجاوزة الكثير من التوقعات الحكومية. وقد وصلت الآن نحو 107 مليون نسمة، شكّلت العمالة الوافدة من جميع أنحاء العالم ما نسبته 80% من عدد السكان الإجمالي، وهم من الموظفين والعاملين المعتمدين على وظائف صغيرة نسبياً كخدم. نسبة العمالة هذه جعلت وجود قطريّ في مجتمع كهذا قليلاً،وذلك لقلّة عدد السكان المحليين، مقابل عدد الغرباء الوافدين على قطر. ومن ناحية أخرى تبدو قطر، وعلى الصعيد السياسي، كاملة الأجواء للحوار الذي يعزّز صورة قطر وصورة عائلة آل ثاني الحاكمة، ومازال هذا السرد التاريخي يحبب التاريخ المحلي الأكثر تعقيداً واثارة للاهتمام، التاريخ السياسي الذي يكمن فقط في دهاليز فنادق الخمس نجوم، وقنوات الأخبار الدولية، وصالات المطار المتميزة.إذ لم ينسَ القطريون أنفسهم، هذا التاريخ؛ حتى وهم قلقون من الأجيال الجديدة لن تتذكر طريقة الحياة التي حدّدت ثقافة القطري. وهذا ما تدل عليه المحاولات الهادفة للحفاظ على صورة الأصالة الثقافية وذلك من خلال عرض الثقافة القطرية والإسلامية على نطاق واسع في الدوحة. ومع ذلك فليس من الواضح إذا كانت هذه المشاريع الثقافية الضخمة، (مثل مشروع بناء متحف قطر الوطني الجديد ومتحف الفن الاسلامي) سوف تحقق هذا الهدف المتمثل في التعريف بالأصالة القطرية.من هنا تأتي أهميّة هذا الكتاب الذي يسلط الضوء على التاريخ القطري: القديم والحديث، على جميع الأصعدة السياسية، الاجتماعية، الثقافية.... ليعطي صورة واضحة لقطر اليوم والتي تتلخص في أنّ الهيكلية التقليدية التي حدّدت الحياة القطرية على مدى عقود لا تزال اليوم واضحة، رغم كل مظاهر التطور والتحديث في المجتمع القطري والدولة القطرية لكيان سياسي.