وصف الكتاب:
الشعر من البيئة بمنزلة الشعاع من السراج؛ ولا يكون شعاع السراج ضئيلاً إلاّ إذا كان زيته شحيحاً... فمن ميزات الشاعر أنّه يصوّر الواقع الذي يعيش فيه ويتطور معه بتطور الزمن مع مرور الأيام. وبذلك يكون للشاعر دور في صنع حياة شعبه وتاريخه العام. فبقدر ما تكون الأمّة غنية بأشكالها ومناحيها الحضارية بقدر ما ينتج الشاعر ويعطي... ومن هنا، فلا غرو من أن تكون جمالات الطبيعة، وجلالات العمارة بما هي عليه من أناقة الزخرفة، وبديع التنميق، وروعة التوريق، ومبهج الروض في العصور العباسية، قد استولت على قلوب الشعراء، فأنشأوا يختلفون إليها، ويعقدون في ربوعها حلقات الأنس، ومجالس الطرب، تغريهم بها مفاتن النقش، ويحفزهم عليها رخاء العيش، وصفاء البال، واسباب اللهو والترف، ليصوّروا هذا الواقع الحضاري بأبهى صورة عن طريق الإفاضة في الكلام عليه، والإطناب في وصفه، وفي إبراز أصباغه كما امتثلته حواسّهم ما خلّد في هذا الواقع على الرّغم ممّا أصابه من تشويه، وما طرأ عليه من تبديل، وما اعتراه من زوال. وهذا يؤكّد ما للشاعر من دور في صنع تاريخ شعبه الحضاري.