وصف الكتاب:
العقيدة، أو التوحيد أو الإيمان، كلُّها أسماء لعلم واحد، والمفترض أن عناية هذا العلم من حيث الأصل هي بمباحث الإيمان المذكورة في حديث جبريل: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره . فتعتني مباحث هذا العلم بشرح كل ركن من أركان الإيمان، والمسائل والأدلة المتعلقة بكل ركن . وقد اختلفت الاتجاهات الإسلامية حول قضايا ومسائل هذا العلم، فنشأت فرق تقول في هذه القضايا بأقوال شديدة الضلال وهم: الخوارج والقدرية والرافضة والجهمية والمعتزلة. ووقف في مجابهتهم السلف الصالح بداية من الصحابة فالتابعين فأتباعهم، ومن هنا نشأ علم داخلي متفرع عن علم الاعتقاد يعتني بانتصار كل اتجاه عقدي لرؤيته التي يراها هي التفسير الصحيح لنصوص الوحي في مسائل الإيمان. وفي القرن الثالث الهجري، حصلت مواجهة عنيفة بين المعتزلة، وهم أكثر هذه الفرق إنتاجًا وأعمقها بناء، وبين أهل الحديث، طبقة الإمام أحمد ثم الدارمي والبخاري ومسلم ثم ابن خزيمة والدارقطني، وأمثال هؤلاء، وهم الذين رفعوا راية وراثة علم السلف من الصحابة فمن بعدهم، واستوى بصورة تامة مصطلح أهل السنة في مقابل تلك الفرق البدعية كلها. ثم كان هناك رجل اسمه: عبد الله بن سعيد بن كلاب، أنشأ أقوالًا هي وسط بين عقائد وأقوال المعتزلة وبين أقوال أهل الحديث. وتأثر به رجلان هما: أبو الحسن الأشعري، وأبو منصور الماتريدي. وتبعهما اتجاهان علميان دان بهما كثير من علماء المسلمين منذ القرن الخامس الهجري وهما الأشاعرة نسبة للرجل الأول، والماتريدية نسبة للرجل الثاني. وحاصل مذهب الاتجاهين: أنه تقريرات في قضايا ومسائل الاعتقاد والإيمان؛ فيها اختيار لأقوال توسطت بين مذهب المعتزلة وبين مذهب أهل الحديث، وهذا التوصيف هو الصواب في الجملة ،ولكن يزعم بعض المنتسبين للاتجاهين أن الاتجاهين يتفقان مع أهل الحديث، أو أن قول أهل الحديث هو أحد الأقوال السائغ اتباعها، وأن طريقة الأشاعرة والماتريدية طريقة سائغة في الجملة هي الأخرى. وهذا في الواقع ليس صوابًا، بل الصواب ما حققه ابن تيمية؛ أن مذهب أهل الحديث مغاير لهؤلاء، وأن حقيقة ما كان عليه أهل الحديث ليست كما يصفها الأشاعرة، وأن طريقة الأشاعرة هي طريقة مبتدعة في نظر أهل الحديث. ما هي معالم المغايرة بين الأشاعرة وبين أهل الحديث الذين هم أقرب الطوائف لما كان عليه الصحابة؟ هذا هو موضوع رسالة منهج الأشاعرة والتي يأتي هذا الكتاب كالشرح عليها.