وصف الكتاب:
سيكولوجية المتحرش واسباب التحرش: 1. لاشك ان المتحرش جنسياً هو بالقطع شخصية غير سوية ، فهو ينساق فوراً خلف افكاره اللحظية دون التفكير النهائي فى عواقب هذه الأفكار ، وبالتالي فإن فقدان تبعية التصرفات يجعل من المتحرش شخصاً لا يمتلك مشاعر أو أحاسيس، وقد نجد تفسير هذا فى ابتسامته بعد اتيانه بفعله المؤذي. 2. المتحرش شخص ضعيف وجبان فى كثير من الأحيان ، فعندما تمتنع الفتاة عن الشكوى يشعر بقوة لكنها فى الحقيقة زائفة. 3. التحرش نتيجة تراكمات من الانهيار الثقافي والأخلاقي والديني ، وتفسخ العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع. 4. غياب التربية السليمة فترة الطفولة . ف"الرادع" او "الضمير" يتم انباته فى الشخص خلال فترة طفولته ، واذا كان الشخص لم يتعرض لتربية واعية رشيدة ، سيخرج الى الوجود لا يخشى عواقب افعاله. 5. صناعة الدراما والاعلام مسئولة بنسبة كبيرة عن التحرش. فصورة البلطجي (البطل) فى الفترة الأخيرة ألقت بظلالها على النشء ، الذى بات يردد ويقلد ما يفعله قدوته البلطجي من تحرش وعنف وبطش مع المجتمع. بل ان مقدمي البرامج والاعلاميون الذى يدينون التحرش ، هما نفسهم من يتحاورون من (البطل) المجرم ويقومون بالثناء على ما يقدمه من (فن) على حسب قولهم. 6. انتشار القبح والعشوائية. تعد العشوائية بمعناها المادي والمعنوى مرتعاً خصباً لاحتضان جميع السلوكيات المنحرفة ، وعشوائية السكن تؤدى لعشوائية السلوك، فالمسكن والتربية والتعليم العشوائي ، ينتج عنه جميع الانحرافات السلوكية. 7. غياب الجمال والفن والرياضة. إن الجمال يولد الحب والإبداع والإنسانية، والقُبح يولد العنف والتشدُّد والكراهية والتعصب، ولكي نعالج اى وباء فكري يخص المجتمع يجب تحري الأسباب والعوامل التى تحاصره وتمنع انتشاره ، وتقضى عليه ، ولا سبيل للقضاء على تلك السلوكيات السلبية سوى خطط منظمة تابعة لوزارة الثقافة والشباب والرياضة والتعليم لنشر الوعي وتصحيح المسار،بشكل متوازي مع تنفيذ القانون وتغليظ عقوبات التحرش والمتحرشين. 8. الانغلاق والكبت المتواصل . لا تزال الدراسات والاحصائيات التي تشير الى ازدياد حالات التحرش في المجتمعات المنغلقة ، والتي تدعى كذباً انها مجتمعات متدينة ، لا تزال تلك الدراسات مهملة من التحليل والبحث، خشية ادراك الحقيقة التي تصطدم بمعتقدات المجتمع وهى ان الانغلاق في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، هو احد الأسباب الرئيسية لذلك، فالضغط الزائد يُولّد الانفجار، خصوصاً مع ارتفاع سن الزواج بسبب الأصنام الاجتماعية المتعددة؟ّ! إقامة العلاقات عموماً والجنسية خصوصاً في الدول الغربية أسهل بكثير، مما يكون له دور مباشر في تشكيل الاطار الاجتماعي الطبيعي للشخص، فيدرك بسهولة حق الاخر في قبول او رفض اى علاقة ، وبناءاً عليه ليس من حقك التجاوز والتمادى في حالة الرفض ، والا سيكون القانون هو الرادع الصارم تجاه ذلك. ليس كلامى هذا دعوة للأنفتاح الغاشم دون ضوابط او حدود ، لأن مخاطر ذلك في ظل عدم وجود أنظمة تعليمية ناضجة متجددة، ووعي اجتماعي رشيد ، حتماً ستكون عواقبه وخيمة، وقد رأينا الحال في ثورات العالم العربي ، حيث ثم انفتاح بلا وعي ، فكانت الفوضى والاضطراب، وهذه نتيجة طبيعية عندما تترك السلطة والحرية لقليل او منعدم الوعي ، فتكون العشوائية والبدائية هي العنوان. من الممكن ان يكون الزواج أسهل احد الحلول التي تساهم في تقنين جرائم التحرش ، لكن حتى هذا اصبح صعباً ومستحيلاً في بعض الأحيان، نظراً للضغوط الاقتصادية والأجتماعية، وكأننا نعيش في مجتمعات تُصرعلى تدمير نفسها بنفسها ذاتياً . فلا هي منفتحة انفتاح الغرب، ولا هي حريصة على تطبيق مبادئ الدين من خلال تسهيل عمليات الزواج. هذا لا يعنى بأن المتحرش ينقصه فقط الزواج ، أو ان هذا تبريراً لفعله الأجرامي، ولكن هنا استحضر وعى المجتمع في التصدي لهذة الآفة ، فأغلب النقاشات العامة المتعلقة بقضايا التحرش والعُنف الجنسي، دائمًا ما تنتهي بعدة توصيات مُعلقة في الهواء أشبه بتعليمات وأوامر من قادة أو نُخب ولكن بلا قواعد تؤمن بها وتعمل على تنفيذها. فدائماً ما يتم في ختام أي مؤتمر أو حملة سواء كانت رسمية أو مجتمعية بالتأكيد على دور الدولة والقانون في القضاء على هذه الظاهرة، مع ضرورة أن يكون هناك مناهج خاصة بالتربية الجنسية في وسائل التعليم الرسمية المختلفة، وطرح قضايا النوع الاجتماعي، والعمل على نشر قيّم المساواة بين الجنسين واحترام أجساد النساء في المجاليّن العام والخاص، مع مُطالبة حازمة بتطبيق عقوبات قانونية رادعة على المتحرشين. وكل هذه محاولات لا بئس بها ، لكن لن يتم محاصرة هذه المشكلة او تحجيمها الا بتغيير ثقافي واسع المدى فى وسائل الاعلام والفضائيات والمدارس والجامعات والمنابر الدينية المختلفة. فالثقافة الاجتماعية التى تصنع الوعي والتى تخاطب العقل ، تحتاج الى صياغة رشيدة لرسائلها العميقة ، حتى تكون ذات طابع تأثيري فريد. ومع تكرار هذه الرسائل بشكلها المختلف وتطورها لتتناسب مع كل فئات المجتمع ، ستبدأ ملامح التغيير تظهر تدريجياً فى فترة ليست قصيرة ، ولكن استواء الطريق كفيل بتحقيق التغيير ، و(من بدأ لم يتأخر) طالما انه على الطريق. وفى النهاية يجب الاعتراف بإستحالة وجود مجتمع غير قمعي بشكل مُطلق، فبحسب "ماركيوز" كل شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي تقوم على قمع الغرائز إلى حد ما، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش في مجتمع ولا أن يكون فاعل داخل شبكة علاقات اجتماعية فعلاً دون خضوع بعض رغباته وغرائزه وطاقاته للضبط والسيطرة والتحكم"، وبحسب تصور هذا النموذج التحليلي الفرويدي المادي للإنسان؛ لا يُمكن أن يفعل الإنسان هذا من تلقاء نفسه، طالما تُرك من دون سُلطة تجبره على الانصياع وعقلنة رغباته وغرائزه. مصطفى عاطف من كتاب (ماذا يحدث فى مجتمعاتنا ؟!)