وصف الكتاب:
تقول المؤلفة إنها في هذا الكتاب توثق لمنهج فني تظهر فيه رؤية الحياة الجاهلية بصورها ومشاهدها وألوان طيفها وقيمها، مركزة على نحو مغاير في الحديث عن الرجل سيد الحياة وسؤددها ورئيس القيم السامية والشمائل العظيمة، فكنا أمام الرجل القوي الشجاع الفارس الكريم المعطاء الصابر الفصيح البليغ، كما نجد الرجل سيد المشاعر والأحاسيس والوجدان فنجده عاشقا مشتاقا لمحبوبته، حزينا متألما على فقد ولده، وأبا حانيا على ولده، كل ذلك يقدمه الرجل “الشاعر”، في صور فنية تمثيلية تمتد في أبيات عدة أقصرها سبعة وأطولها ثلاثون بيتا، تنبض بالحياة وتزخر بالطاقة الإبداعية والجودة والصنعة والإتقان مشتملة على عناصر الصورة الفنية كلها من حركات وأفعال وألوان وصوت وموسيقى وإيقاع، وبنية لغوية وتفاصيل وجزئيات، يجسد فيها الشاعر المثالية المطلقة للرجولة بشكل كامل متكامل. ترى أبو زيد في مقدمتها أن الصورة الشعرية، هي جوهر الإبداع الشعري وقلبه النابض وروحه الحية، فدورها فعال في نقل تجارب الشاعر الشعورية، ورؤاه الذاتية الى الآخرين، وهي أيقونة الشعر المنفتحة على الشاعر، فتجعلنا ننفذ إلى عوالمه لما تتسم به من فنية متكاملة البناء والتكوين، وللصورة الفنية أهميتها البالغة، لذا لقيت رعاية من النقاد والأدباء وعلماء البلاغة قديما، وتبوأت مكانة مهمة في مناهج النقد المختلفة حديثا، وبالرغم من كثرة الدراسات التي تناولت الصورة الفنية، إلا أن الصورة الشعرية الممتدة والمتسعة القائمة على البعد التمثيلي والاتساع باتت قليلة من حيث الدرس والاهتمام. وتشير المؤلفة الى أنها في هذا الكتاب تسلط الضوء على الجماليات التصويرية المتعددة والمختلفة والمتنوعة والمؤثرة في ظل ما تحمله الصورة من أبعاد امتدادية شكلية ومعنوية وسردية تتحمل وجود المكان والزمان والشخوص والألوان، التي يختارها صانعها، فإذا أضاف إليها الحوار يكون قد منحها بكل ذلك الحياة والحركة دون أن يغفل جرس الكلمات ونغم العبارات وموسيقا السياق، خاصة أن الشعر الجاهلي لم يكن ضحل الخيال بل كان يعج بالصورة الفنية، فهو خطاب خصب قادر على البوح كلما تعرض لقراءة نقدية جديدة تضيء الكثير من الزوايا المعتمة فيه. الكتاب يقسم الى قسمين، وفق أبو زيد؛ الأول يتحدث عن الصورة الممتدة بشكل يشرح أبعاد المصطلح وما يشوبه من غموض والتباس، الى جانب الوقوف على مدى الجمالية في تقديم الفكرة بطريقة متسعة ومكثفة، فتختلف وتمتاز بهذا عن غيرها من الصور الجزئية، في ظل ما تحتويه من مقومات تعد مفاتيح رئيسة للنص، فنحن أمام صورة ركزت على المشبه به وامتدت في الحديث عنه، لتحقيق غاية المفاضلة والمقاربة والمقارنة بينه وبين المشبه ضمن تقنيات وعناصر ومقومات تبدأ بالتشبيه التمثيلي لبنة الأساس، إلى جانب ما تزدحم به من جماليات تصويرية تظهر بأنماط متنوعة لصور حركية وبصرية ولونية وسمعية وشمية وذوقية في ظل لغة شعرية وشعورية وألحان موسيقية وانفعالية. كما تم الاهتمام بالتفاصيل والجزئيات، وذلك في إطار زماني ومكاني وبأسلوب سردي وحكائي ووعي واضح بالصنعة الفنية والبديعية، كل تلك العناصر تعمل على رفع المستوى الجمالي الذي تقدمه الصورة الشعرية الممتدة، فتكون بهذا وسيلة في استكشاف النص الجاهلي وموقف الشاعر من الواقع المحيط به، والحكم من خلالها على أصالة التجربة، وقدرة الشاعر على تشكيلها في نسق يحقق المتعة لمن يتلقاه، ليكتمل جمال نوعها في كون الصورة الممتدة لوحة فنية واحدة مترابطة بتسلسلها، وتركيبها وأسلوبها مع كل ما تحويه من مقومات ارتقت بشواهد شعرية زينت أرجاءها وزادت من قوة حضورها بين الفينة والأخرى. فيما اختص القسم الثاني من الكتاب في الجانب التطبيقي الذي تضمن قراءة جديدة في رصد المعاني العميقة والمرامي البعيدة والمغمورة في سبعة نماذج منتقاة، لافتة الى أنها فضلت أن تنفرد في طريقة الدراسة وآلية العمل على النص من نواحيه الفنية والجمالية، فانفتحت أمامها النصوص العصية، على حقول معرفية متعددة في حديث طويل ومكثف عن الرجل بعالمه الخاص به، فكان لكل صورة طعمها المميز ولونها الخاص، فنجد شاعرا يكشف في أحواض صورته أصباغ الحب والسعادة والرضا والقوة والشجاعة والفصاحة، وآخر يصب ألوان الحزن والخوف والقلق والتوتر، ونقرأ الصورة عند آخر فتبدو سريعة وكأنه يقدمها على عجل، في حين تجدها عند آخر تؤدى على مهل يتفنن فيها ويتملى في نحت منظرها لتظهر أمامنا بساطا متسعا تحتضن قصصا غنية بالألوان والصور والمناظر. في خاتمة الكتاب، تشير أبو زيد الى أن الصورة الشعرية تتربع على قمة الهرم، وجاءت في مقطوعات فنية كاملة متكاملة تعتمد التشبيه التمثيلي أساسا لها، لتضم بين ثناياها مجموعة من الصور الجزئية التي تتحد معا لتركب لوحة فنية واحدة مذهلة، نابضة بالمشاعر والعواطف والأحاسيس، كاشفة سرائر أصحابها وعوالمهم الداخلية ومواقفهم من الحياة والناس من حولهم، ورؤاهم البشرية تجاه واقعهم، يتجلى كل هذا في الصور، التي تتسم بالكثير من جماليات التصوير الفنية المتبعة التي لا حصر لها من صور حركية ولونية وشمية وسمعية وذوقية، وتزدحم بالعديد من المقومات، التي تقوم على مجموعة من التقنيات والعناصر التي تشد انتباه القارئ وتجعل المتلقي دائم الشغف والإثارة والاستجابة والإقبال على النص بلا اشتغال أو ملل. وتعتبر المؤلفة أن الصورة الشعرية أبرزت ما عند أصحابها من طاقات أدبية ومواهب شعرية تسعى للكمال، في صنعة فنية شعرية ينضح لها الجبين من طول الإعمال والتمحيص والتدقيق، تدل على القدرة والجودة والإبداع والفصاحة، ولهذا كان معظم شعراء الصور الفنية من الفحول البارزين والمتميزين بانتمائهم لمدارس الصنعة الفنية المتعددة والمتنوعة. وقد كتب د. عبد الحميد المعيني على غلاف الكتاب كلمة “إن اللوحة الشعرية الإبداعية منهج فني يقدم رؤية الحياة في صورها ومشاهدها المتنوعة، ويشرح ألوان طيفها وقيمها، ويكشف للمتلقي عناصر بنائها وتشكيلها؛ وقد أفادت الباحثة تقوى أبو زيد من هذا المنهج الأدبي، وواصلت له في دراستها التي وضعتها بنماذج من لوحات العصر الجاهلي الشعرية كان فيها الرجل سيد الحياة وسؤددها، ورئيس منظومة القيم السامية والشمائل العظيمة فيها”، لافتا الى أنها أجادت في العرض والتحليل، وقدمت أداء متميزا في الرؤية والمنهجية. ويذكر أن الدكتورة تقوى سليمان أبو زيد، حاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب والنقد القديم، عملت في وزارة الثقافة ضمن مجلة وسام، وعملت محاضرة غير متفرغة في مركز اللغات في الجامعة الأردنية، ومدرسة في وزارة التربية والتعليم لمدة خمسة عشر عاما في تدريس المرحلة الثانوية، حاصلة على العديد من الدورات في تكنولوجيا التعليم وعلى العديد من شهادات التقدير في خدمة المجتمع التعلمي والمحلي، ولها العديد من الأبحاث المحكمة والمنشورة في المجلات العلمية، لها عدد من الدروع منها درع المشاركة في جائزة الملكة رانيا العبدالله، ودرع لجهودها المبذولة في تعزيز الطلبة المبدعين وصقل مواهبهم، وشاركت في تحكيم العديد من المسابقات الثقافية والأدبية.