وصف الكتاب:
مقتطف من الرواية ... الحقيقة _كيف سأخبرك إياها إذا كان مجرّد اسمي لا يمكن التعبير عنه بلسانك؟ لقد أطلقت عليّ اسم "الشيطان" وأنا أقبل هذا الاسم، كما سبق وقبلتُ أيّة أسماء أخرى: ليكُن كذلك _أنا الشيطان، لكنّ اسمي الحقيقي يبدو مختلفاً تماماً، مختلف إلى أبعد حدّ! له وقع استثنائي غريب ومهما حاولت لن أقدر على فرضه على أذنك الضّيقة من دون أن أمزّقها إلى جانب دماغك: ليكُن ذلك _أنا الشيطان! ولا أكثر. وأنت نفسك الوحيد المُلام على ذلك، يا صديقي: لماذا ليس هناك ما يكفي من الفهم في تفكيرك؟ تفكيرك مثل جراب المتسوّل، لا يحتوي سوى بعض كسرات الخبز اليابس، في حين إنّه من الضروري أن يكون لديك شيء أكثر من الخبز، أنت لا تمتلك سوى مفهومين للوجود: حياة وموت. كيف بإمكاني أن أكشف لك عن المفهوم الثالث؟ وجودك كله ليس إلا عبثاً؛ لأنك لا تمتلك المفهوم الثالث للوجود، وكيف لي أن أشرحه لك؟ اليوم أنا إنسان، مثلك تماماً، في جمجمتي يقبع دماغ مثلك دماغك، وفي فمي تتصارع كلماتك المكعّبة فيما بينها بزواياها الحادة، ولا يسعني أن أنقل لك تجربة الاستثنائي. لو أخبرتك أنّه لا وجود للشياطين لكَذَبت، ولكن إذا قلت أنّ هذه المخلوقات موجودة لكنتُ أخدعكَ أيضاً، أترى مدى صعوبة الأمر، وعبثيته، يا صديقي! لا يسعني أيضاً أن أخبرك سوى القليل مما يمكنك استيعابه عن كيفية اتخاذي للهيئة البشرية، التي بدأت فيها حياتي الأرضية منذ عشرة أيام خَلَت، أولاً وقبل كل شيء، أسقِط من ذهنك كل ما تعتقده عن شياطينك ذات القرون والشعر الكثيف وجناحي الوطواط، التي تنفث النار من أفواهها، والتي تحوّل كسرات من العناصر الأرضية البخسة إلى ذهب ومعادن ثمينة، وتعيد الشباب والنضارة إلى العجائز، وفوق كل هذا الهراء والحكايات الطفولية فإنّها تختفي فجأة عبر الجدران، تذكّر: نحن، عندما نريد زيارة الأرض، عالمكم، علينا أن نصبح بشراً، أمّا السبب وراء ذلك فستعرفه بعد موتك، أمّا في الوقت الحالي تذكّر: أنا إنسان مثلك تماماً، ليست هناك رائحة كريهة كرائحة الماعز تنبعث منّي بل عبق العطور الأصلية، ولا حاجة بك أن تتجنّب مصافحتي مخافة أن أخدش يدك بمخالبي: أنا أعتني بأظافري وأقلّمها كما تفعل أنت تماماً. لكن كيف حدث كل ذلك؟ ببساطة شديدة، عندما أتتني الرغبة في البداية كي أزور هذه الأرض، انتقيت أفضل هيئة بشرية مرغوبة، هيئة بليونير أمريكي في الثامنة والثلاثين من العمر، السيد هنري وندرغود، قتلته ليلاً، من دون شهود طبعاً، لكنك لا تستطيع إلصاق تهمة القتل بي بالرغم من هذا الاعتراف، لأنّ الرجل الأمريكي الآن حَيٌ يُرزَق، وكِلانا حيّاك بانحناءة احترام: أنا والسيد وندرغود، هو ببساطة أجّرني جسده الشاغر، فهمت؟ لكن ليس كلّه أيضاً، فالشيطان الأكبر أخذه! ولأسفي الشديد لا يمكنني العودة إلى موطني إلا من خلال الباب نفسه الذي يقودك إلى تحرّرك: من خلال الموت.