وصف الكتاب:
ذا الكتاب يضعك على خريطة بناء ثروة في إقتصاد عالمي مبني على المعرفة وذلك بمساعدة رجل الاقتصاد "ليستر ثورو" والذي استطاع ان يضع معايير النجاح المطلوبة في الاقتصاد العالمي الجديد. ____________________________________________________________ الفصل الرابع: الجزء الأول التنظيم الاجتماعي يبدأ هرم الثروة بتنظيم اجتماعي، ويشكل التنظيم الاجتماعي أحجار الأساس الكبيرة لقاعدة الهرم. فكر في أي دول العالم الأكثر فقرا- هاييتي، بنجلاديش، أفريقيا الوسطى، وألبانيا ، جميع هذه الدول تتسم بالفوضى والاضطراب وعدم القدرة على تنظيم نفسها من الناحية الاجتماعية. فهي لا تستطيع المحافظة على النظام العام، ولا تستطيع بناء أو إصلاح بنيتها الأساسية، ولا يمكنها أن تنظم وتوفر مدرسين لمدارس القرى، ولا يمكنها توفير الخدمات الصحية. وطوال تاريخ البشرية كانت تتواجد المناطق الغنية في العالم مع المناطق الفقيرة. وحتى في وقتنا هذا، يفوق عدد السكان الذين يعيشون في مناطق فقيرة من العالم عدد السكان الذين يعيشون في المناطق الغنية بنسبة خمسة إلى واحد. وبناء هرم الثروة ليس سهلا في أي وقت، ولم تتعلم معظم الجماعات البشرية كيف تبنيه. وحتى لو تعلمت منطقة من العالم كيف تصبح غنية في يوم من الأيام، فلا يعني ذلك أن تظل منطقة غنية. ومن الناحية التاريخية، تحولت نفس المناطق الجغرافية من الفقر إلى الثراء إلى الفقر إلى الثراء. وفي منطقة البحر المتوسط، بدأ يرتفع نصيب الفرد من الدخل في مصر منذ خمسة آلاف سنة، وقد بلغ الذروة أبان حقبة الدولة الرومانية المقدسة قرابة سنة 350 بعد الميلاد، وبعد ستمائة عام في منتصف عصور الظلام هبط بنسبة 90%، وفي الألف سنة التالية، ارتفع مرة أخرى. وفي الوقت الذي كانت فيه أوروبا فقيرة في منتصف عصور الظلام، كانت مناطق الشرق الأوسط والصين مناطق غنية. وفي القرن التاسع عشر انعكس الوضع. فالحفاظ على هرم الثروة على مدى الزمن أمر صعب مثل بناء هرم لأول مرة، فكلاهما يتطلب درجة عالية من التنظيم الاجتماعي. والتنظيم الاجتماعي هو نقطة البداية في قاعدة هرم الثروة، لكنه أيضا وحدة بناء أساسية في كل مرحلة من مراحل تكوين الثروة. وتواجه جميع المجتمعات الناجحة بشكل دوري مشاكل جديدة لم تستطع مؤسساتها القديمة أن تحلها. وإن كان عليها أن تبقى ناجحة، فيجب عليها أن تستكشف نفسها من جديد. ومع ذلك، فالنظم الاجتماعية تقاوم التغيير بدرجة كبيرة ولديها قدرة كبيرة على التحمل بدلا من حل مشاكلها. ومسار المقاومة الأقل- يجعل المشاكل تتقيح – تنتهي جميعها في غالب الأحوال بأن تقوض حتى أعظم المجتمعات. ونادار ما تكون الإجراءات التي يجب أن يتخذها المجتمع لحل المشاكل موضع شك. والقضية دائما هي كيف يستطيع مجتمع لديه مشاكل متقيحة أن يجبر نفسه على إحداث تغير قبل استفحال أزمة التي تهدم النظام معها. ويجري اختبار القدرة على التغير اجتماعيا في كل منطقة من مناطق العالم الرئيسية الثلاث. واليابان، التي كانت الدولة الصناعية الأسرع نموا في الاقتصاد كان عليها أن تكتشف نفسها من جديد لتواجه وتقهر الانهيار المالي الذي حدث خلال عقد من الركود. وكان عليها أن تتعلم كيف تحدث اختراقات تكنولوجية كبيرة ولا تكتفي بتمديد الممارسات الحالية. وقد بدأ رجال الأعمال الأوربيين الثورة الصناعية الأولى وشاركوا في الثورة الصناعية الثانية، وعلى ما يبدو أنهم اختفوا في الثورة الصناعية الثالثة. وكان على أوروبا أن تعيد اكتشاف نفسها حتى تتيح لرجال الأعمال فرصة الظهور. ابتكر الأمريكيون التعليم الجامعي العام، وكانوا رواده على مدى قرن، واستخدموه لخلق نجاحهم في القرن العشرين. غير أن نظام تعليميا الذي قاد العالم يوما لم يعد من أفضل نظم التعليم في العالم. وكان على أمريكا أن تعيد اكتشاف نفسها إذا ما رغبت في عدم تخفيض أجور ثلثي قوتها العاملة غير الماهرة التي تتقاضى أجور هزيلة. وقد تتخلف كل من هذه المناطق الثلاث، فقد كانت الأرجنتين وشيلي دولتان غنيتان في عام 1880، وأصبحتا فقيرتان في عام 1980. أو قد ينجح الجميع؛ فقد استمر النجاح الاقتصادي للمصريين على مدى آلاف السنين. تبدأ التنمية الاقتصادية بقدرة تنظيمية على تعبئة الموارد. وقد كان لدى أمريكا في القرن التاسع عشر وفرة من الموارد الطبيعية بينما كانت تعاني من نقص في العمال. وكانت المهمة الأساسية تعبئة العمال وحشدهم واستخدام عمال من الخارج. وكان العمال يقضون ساعات طويلة في المصانع الجديدة، حيث كانت عدد ساعات العمل في المصانع تزيد في المتوسط عن ثلاثة آلاف ساعة في السنة- والتي تعتبر أكثر من ضعف ساعات العمل التي يعملها الأمريكان حاليا. وزادت ساعات العمل بدرجة كبيرة عندما تحول الناس من الزراعة إلى الصناعة. وفي الطقس البارد، كان المزارعون يعملون أقل من ثلاثة آلاف ساعة في السنة، بينما كانوا يعملون بشكل مكثف خلال مواسم الزراعة والحصاد، وفترات أقل بين هذه المواسم ولا يعملون على الإطلاق أثناء فصل الشتاء. ومع توفر أعداد كبيرة من العمالة وقلة الموارد الطبيعية في النصف الأخير من القرن العشرين، حشدت آسيا رأس المال، وأجبرت ضوابط الحكومة وحوافزها على معدلات ادخار بلغت مستويات لم تكن موجودة من قبل. وقد زادت أسعار الفائدة على الادخار في سنغافورة لأكثر من خمسين بالمائة. وادخرت الصين بوضعها الفقير، 30% من دخلها القومي، وحدث النمو السريع في أعقاب دخول أعداد ضخمة من المصانع والمعدات. وفي هذه المرحلة الأولية من التعبئة من أجل التنمية بلغ نمو الإنتاجية الحد الأدنى. تتصاعد المدخلات بسرعة وفقا للمخرجات، ولا يظهر نمو الإنتاجية ويجب ألا يظهر إلا بعد حشد العمالة والموارد الرأسمالية بالكامل. وتتضمن المرحلة الثانية من التنمية الاقتصادية على عملية التقليد من أجل اللحاق بالآخرينcopying-to-catch-up. ففي القرن التاسع عشر، قلدت الولايات المتحدة وأتقنت ثم أجرت تحسينات في النهاية على مصانع النسيج ومصانع الصلب ومناجم الفحم البريطانية. وبالمثل، قلدت اليابان القرن العشرين وأتقنت ثم أضافت تحسينات على التكنولوجيا الأمريكية في صناعات مثل الإليكترونيات الاستهلاكية. وفي هذه المرحلة من التنمية الاقتصادية تعتبر المهارات البشرية أكثر أهمية ولها تأثير أكبر من أي شيء آخر. وتفوقت الولايات المتحدة على بريطانيا في التكنولوجيات البريطانية لأنها كانت أفضلا تعليما من بريطانيا. ومن خلال قوة عاملة ماهرة أكبر، فإن نفس المعدات التي تعمل في أمريكا وبريطانيا كانت تنتج بدرجة أكبر في أمريكا. وتوفقت اليابان في الثمانينات على أمريكا في العديد من الصناعات لأنها كانت لديها القوة العاملة الماهرة الأفضل. ونفس المعدات المادية التي كانت تعمل في أمريكا كان تنتج بدرجة أكبر في اليابان . وفي المرحلة الثانية من التنمية الاقتصادية بدأ يحدث نمو الإنتاجية. وفي المرحلة الثالثة من التنمية الاقتصادية كان تقدم المعرفة advancing knowledge أساس النجاح الاقتصادي. فقد أدت الاختراقات التكنولوجية الكبيرة إلى قفزات كبيرة في الإنتاجية. وظهرت عمليات جديدة من خلال إحداث ثورة في إنتاج المنتجات القديمة، وقد أصبح التغير السريع هو المعيار وحدث تعجيل نمو الإنتاجية. وما أن تظهر التحولات التكنولوجيات الجديدة فإنها تغير من طبيعة هرم الثروة ، وفي العصور القديمة كان المادة الخام هي الأرض. وجاءت الثروة من وجود قاعدة زراعية أمكنها إنتاج فائض من الغذاء بدرجة كافية لإطعام سكان المدن الذين كرسوا أنفسهم لبناء المدن والقتال في الحروب- وغزو الكثير من الأراضي. وكان هذا القاسم هو المشترك بين جميع الحضارات القديمة- مصر،روما،الصين، المكسيك، بيرو وكمبوديا. وفي الثورة الصناعية الأولى، كان الفحم هو المكون الأساسي، وكان الفحم ثقيلا ومكلفا في نقله بمعطيات تكنولوجيا العصر، ولم تحدث ثورة البخار في الأماكن التي لم يكن يوجد بها الفحم . وكان توفر الفحم في إنجلترا أحد الأسباب التي جعلت الثورة الصناعية تبدأ هناك. وكانت الدولتان المتحديتان الأوليان هما أمريكا وألمانيا اللتان كانت لديهما احتياطات من الفحم متساوية تقريبا. وفي الثورة الصناعية الثانية، كان الإنتاج بالجملة mass production الذي يتطلب رؤوس أموال ضخمة هو الطريق للنجاح الاقتصادي. وكان الفائزون هم من لديهم رؤوس أموال أكثر- من أمثال : كارنيجي في بداية القرن، وفورد في العشرينيات، والشركات الأمريكية في الخمسينيات، والشركات اليابانية في الثمانينيات. أعادت الثورة الصناعية الثالثة ترتيب وتجميع لبنات البناء الأساسية لهرم الثروة. كيف يجري ممارسة اللعبة لا أحد يعرف ، فالفائزون سيكونون هم الذين يكتشفون طبيعة هرم الثروة في اقتصاد قائم على المعرفة knowledge-based economy. الولايات المتحدة الأمريكية لا توجد تنظيم يفعل كل شيء بطريقة صحيحة ، فالجميع بدون استثناء، لهم مصادر قوة- أشياء يفعلونها بشكل جيد – ومصادر ضعف- أشياء يفعلوها بشكل سيئ . والسؤال الأساسي هو ما إذا كانت التنظيم يستطيع التكيف مع الزمن، فالناجحون هم الذين ورثوا مصادر قوة تتماشى مع القوى المطلوبة لحل المشاكل الحرجة في عصرهم ، وهؤلاء الذين ورثوا مصادر الضعف لم يكونوا مؤثرين أو غير مهمين في عصرهم . ويعد الوضع الاقتصادي المهيمن للولايات المتحدة في نهاية التسعينيات توضيح جيد لهذه المبادئ. ففي منتصف ثمانينيات القرن العشرين، فإن العديد من الكتب مثل صنع في أمريكا(حيث كان المؤلف واحدا من بضع مؤلفين آخرين) قامت بتحليل تدهور الصناعة الأمريكية، ولم تكن هذه الكتب خاطئة. وفي صناعة بعد صناعة، كانت الشركات الأمريكية منضوية تحت الشركات اليابانية والأوروبية. وكانت صناعة الإليكترونيات الاستهلاكية الأمريكية قد انتهت تماما؛ وللمرة الأولى في التاريخ لم تكن أمريكا أكبر سوق للسيارات في العالم؛ فقد تفوق اليابانيون على الأمريكيين في إنتاج رقائق أشباه الموصلاتsemiconductor chips. وتحدثت الصحف اليابانية والأوربية صراحة عن التدهور الاقتصادي الأمريكي ونهاية القرن الأمريكي. وإلى حد ما يمكن تتبع تحول أمريكا من الأسوأ إلى الأفضل من خلال الشركات التي عملت بجدية لتصحيح ضعفها. وكانت الجهود المبذولة لتقليص فجوات الجودة بينها وبين منافسيها الأجانب كبيرة، وساعدت الشركات في التصميم وشاركت في إنتاج برامج مثل رواد التصنيعLeaders for Manufacturing في معهد التكنولوجيا بماساشوتسMIT. وقاومت الشركات الأمريكية بصلابة عمليات الإغلاق والتسريح لعمالها وإعادة الهيكلة والانتقال خارج أراضيها. وقد أصبحت من بين الشركات المنتجة الأقل تكلفة في العالم. وبالنسبة للعمال الأمريكيين كانت تكلفة التفوق في المنافسة الأمريكية كبيرة، فقد انخفضت الأجور الحقيقية لثلثي القوة العاملة بنسبة 20% . ولكن حتى اليوم لا تزال صور الضعف العديدة التي شوهدت في الثمانينيات موجودة. كانت العيوب الموجودة في كل سيارة في وضع أدنى في كل من أمريكا واليابان، وانخفضت فجوة العيوب بين السيارات الأمريكية والسيارات اليابانية بدرجة كبيرة، غير أن العدد المتوسط لعيوب السيارات الأمريكية لا يزال أعلى قليلا (بما فيها السيارات المصنوعة في مصانع تابعة لليابانيين) عن السيارات اليابانية المصنوعة في اليابان، فلم يستطع الأمريكيون أن يتخلصوا تماما من عيوبهم. وما حدث هو العصور تغيرت، وتطلبت هذه العصور المختلفة مجموعة خصائص تماشت بدقة مع مصادر القوة الأمريكية. ومع مطلع الثورة الصناعية الثالثة، أصبحت القدرة على فتح الجديد وإغلاق القديم سمة أساسية مطلوبة للنجاح الاقتصادي. وقد إنشئ النظام الأمريكي على فتح الجديد وغلق القديم، وهذا ما أدى إلى الأفضل. ولا يزال ضعف أمريكا موجود. فلم يجري التركيز على بذل الجهود من أجل إجراء تحسينات هامشية في التكنولوجيات الجديدة التي تحتاج إلى المزيد من الصبر والتدريب ورأس المال، ولم يكن الأمر كذلك في المراحل الأولى للثورة الصناعية الثالثة. وتعتبر Intel الصناعة الرائدة في رقائق أشباه الموصلات حاليا أفضل توضيح على التحول الأمريكي. ففي منتصف الثمانينيات كان على ما يبدو أن Intel ستغلق نشاطها، وعلى الرغم من جودة تصميماتها ، إلا أنها لم تستطع منافسة صناعة DRAMs(ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية)- وكانت لديها عيوب كبيرة ، وبدا مستقبلها لا يبشر بالخير، وباعت IBM عشرون بالمائة من حصتها لـ Intel- تلك الحصة التي لو كانت لا تزال موجودة حاليا لكانت سترفع القيمة السوقية الإجمالية لـ IBM حوالي 30%. فقد كان تسريح العمال والإغلاق الجزئي مهما لاستمرارIBM في السوق. وقامت Intel بعد ذلك بابتكار المعالج الدقيقmicroprocessor ، ذلك التطور التكنولوجي الضخم الذي أعاد لها وضعها في السوق. ولم تستطع Intel أن تسترد أسواقها من DRAMs، لكنها بعد دراسة أخطائها السابقة أصبحت من الشركات الرائدة في تصنيع المعالج الدقيق وأصبح لديها بيت خبرة هائل في التصميم الذي يمكنه القفز نحو المنافسة. ولما كان منتجا فريدا سريع التغير، كان يمكنها الحصول على أسعار مرتفعة. وفي الوقت الذي قلد فيه الآخرين تصميماتها وأصبحت الأجيال الجديدة من المعالج الدقيق قليلة الربحية، فإنها تحولت إلى المعالجات الدقيقة فائقة السرعة. وبنهاية التسعينيات، كان كل جهاز كمبيوتر شخصي ياباني يكتب عليه من الخارج "Intel Inside" . لقد كان اليابانيون الذين دخلوا في معركة خاسرة مع الكوريين للهيمنة على ما أصبح سلعة تجارية- إنتاج الـ- DRAMs هم الذين كانوا قلقون بشأن الإفلاس. وتعد أمريكا رائعة جدا في فتح الجديد. فعلومها المتقدمة وتعليمها الهندسي يؤكدان إبداعها، وهي ليست مهتمة بإجراء تحسينات طفيفة، فرأس المال المغامر لديها وفير. ويتطلع المهندسون والمديرون الشباب دائما إلى فرص الدخول بأنفسهم في الأعمال التجارية ، ولديهم الكثير من نماذج الأدوار من حولهم. وعندما يرغبون في الدخول بأنفسهم مجال التجارة يتمنى لهم أصحاب العمل القدامى الذين كانوا يعملون لديهم النجاح ويسرهم أن يشتروا منهم المكونات والخدمات، ولا يعاملوهم كخائنين. وإذا فشلوا، والعديد منهم يفشل، يرحب أرباب العمل بتشغيلهم مرة أخرى لديهم. وما أن يحاول المرء أن ينشأ عمل تجاري، وحتى إن فشل، فيعتبر ذلك دليلا على موظف جيد في المستقبل- يعمل بجد، ويبدع ويواجه المخاطر، ويعرف كيف ينجح العالم. ومخاطر الفشل في أمريكا أقل بكثير من المخاطر الموجودة في المجتمعات التي يترك فيها الموظفين عملهم بحثا عن عمل حر حيث يعتبر من يتركون عملهم خيانة لأصحاب الأعمال، وينظر إلى الفشل في العمل الحر على أنه فشل شخصي، ويكون التوظف مرة أخرى في شركة كبيرة أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا إذا ما ترك المرء عمله ليفتح مشروعا جديدا. ولكن حتى في صناعة أشباه الموصلات يظهر الضعف الوراثي الأمريكي بشكل واضح. وهناك موقعان في الصناعة لا تعتبر فيهما الشركات الأمريكية اللاعب الجيد بسبب الضعف الموروث لديها. وإنتاج رقائق السيليكون النقية التي تصنع منها رقائق أشباه الموصلات تصنع بالكامل في الشركات اليابانية والأوروبية. وآخر شركتي إنتاج أمريكيتين ، موناسانتو وأجهزة تكساس تم بيعهما لشركات أجنبية في التسعينيات. وإنتاج رقائق السيليكون الأكثر نقاوة من التكنولوجيات الجديدة المنخفضة الربحية واستثماراتها مرتفعة، وتتطلب قدر كبير من الصبر والقوة العاملة المدربة لصنع رقائق بطرق أكثر إتقانا، وهذا النشاط لم يبرع فيه الأمريكيين. تكلف وحدات تصنيع أشباه الموصلات من الطراز الأول بلايين الدولارات. والشركات الأمريكية ماهرة جدا في تصميم رقائق أشباه الموصلات الجديدة، ولكن إذا تطلب الأمر أن يكون لكل شركة تصميم أمريكية وسائل التصنيع الخاصة بها، فسوف يصبح هناك عدد قليل من شركات التصميم الأمريكية، لأن القليل منها يستطيع توفير الاستثمارات المطلوبة لوسائل الإنتاج. وقد ظهر ما يسمى بمسابك أشباه الموصلات ليملأ الثغرة. فالمسابك تصنع رقائق أشباه الموصلات لتصميمات الأشخاص الآخرين. ولا تصمم رقائقها. وجميع المسابك في العالم مملوكة لأشخاص من تايوان أو من سنغافورة. وتحتاج شركة إلى بلايين الدولارات حتى يمكنها الدخول في صناعة المسابك، والدول التي تملك مدخرات كبيرة هي التي يمكنها أن تأمل في جمع الأموال المطلوبة. ولا يستطيع الأمريكيون جمع الأموال ولا يرغبوا في المخاطرة بمبالغ ضخمة للنهوض والجري في هذا الجزء من صناعة أشباه الموصلات. ولما كان النظام الأمريكي لا مركزي بدرجة كبيرة، فمن الصعب جدا على القديم من الناحية السياسية والاقتصادية أن يوقف الجديد من الظهور إلى الوجود. وعلى الرغم من حجم شركة AT&T ووضعها الحصين، فلا يمكنها سحق المنافسين الجدد في صناعة الاتصالات، والقوانين الأمريكية مثل قوانين مكافحة الاحتكار تقف في جانب الضعيف. وقد اعتقد القاضي جرين أثناء نظر قضية مكافحة الاحتكار التي اتهمت فيها AT&T أن الشركات الكبرى هي السيئة ، ولم يكن شيئا تقدمه AT&T على سبيل التدليل سيغير من رأي القاضي. وقد دخلت شركات تليفون جديدة السوق الأمريكي ونجحت قبل عقود من دخولها بقية أسواق العالم. غير أن القوة العظمى لأمريكا لا تكمن في قدرتها على فتح الجديد، إنها قدرتها على إغلاق القديم. وغالبا ما يكون الإغلاق مؤلما،لكنه يمكن أن يحدث في أمريكا. ولا يوجد في أي مكان في العالم حتى في الدول الأكثر فقرا عمال يسهل طردهم كما يحدث في أمريكا، فمن الناحية القانونية لا يجب أن يقدم إخطار للعامل، ولا يجب تقديم أسباب فصله من العمل. وليس من المطلوب دفع مقابل للفصل. وبصفتي كعميد لمعهد التكنولوجيا بماساشوتس،فقد قمت بطرد أحد الأشخاص ذات مرة وجعلته يغادر المعهد في أقل من ساعة. وفي حين يلعب العصر في صالح مصادر قوة أمريكا إلى حد كبير، فأمريكا تصعد لأن بقية العالم يهبط . ومعدل النمو في أمريكا الذي بلغ 2.7% خلال عقد التسعينيات أقل من معدل النمو 3.2% في السبعينيات. وبالنظر فقط إلى السطر الأخير في تقرير الأداء الاقتصادي، فقد كانت أمريكا في الواقع ضعيفة الأداء في التسعينيات، غير أن بقية العالم كان أسوأ بكثير. وبالتطلع إلى ألمانيا بعد توحيدها في عام 1990، لم يكن أحد يعتقد بتنبؤ بأن البنك المركزي الألماني سيفرض عقدا من السياسات نقدية الصارمة والنمو البطيء على أوروبا في مواجهة عدو تضخمي لم يكن موجودا. ولم يكن أحد سيعتقد أن الأوربيين سيتحملون ويصبرون سياسيا على معدل بطالة تفوق العشرة بالمائة ويعتبرون ذلك أمر عادي. وما فعله الألمان لم يكن ضروريا تماما، وبدون سياسة الأرض المحروقة المضادة للتضخم حققت أمريكا أداء غير تضخمي أفضل من أداء أوروبا في نهاية العقد. غير أن هذه السياسات جعلت الاقتصاديات الأوربية أقل وأضعف مما يجب أن تكون عليه. ولم يكن يعتقد المرء في التسعينيات، تنبؤ بأن معدل النمو في اليابان سوف يكون حوالي 0.4% في السنة في التسعينيات، وأن اليابان سوف تدخل الألفية الثانية بسنتين متتاليتين من النمو السالب في عام 1998 و1999. وأحيانا كنت أتسائل ما إذا كنت مخطئا في كتاباتي الأولى. ففي كتابي عام 1991،Head to وجها لوجه Head، عن المعارك القادمة بين أمريكا وأوروبا واليابان، فإنني لم أذكر حتى انهيار البورصة في اليابان في التسعينيات. لقد افترضت أن اليابانيين سوف يتخلصون بسهولة وبسرعة من الورطة، مثلما تخلصت أمريكا من ورطة مدخراتها وقروضها في الثمانينيات. لم أكن أكثر خطئا.