وصف الكتاب:
قبل أن ألتحق بالمدرسة الابتدائية في القاهرة كنت أتحدث فقط لغة أمي أو لهجتها بالأصح: عامية مصرية قاهرية صرفة، تمامًا مثل لهجة خالتي وجدتي لأمي. لهجة أبي ليست صعبة لكنها سودانية سريعة تختلف عن لهجة أمي. ** في الكُتَّاب أجد من اليوم الأول تباينًا كبيرًا بين ما أسمعه من أمي أو أبي أو حتى أقراني أو جيراني وما يريد شيخنا أن نتعلمه؛ فأغلب ما نتعلمه من كلمات، لا ننطقه في الحياة العادية. شيخنا في الكُتَّاب يُصر على أن يفصل الأولاد عن البنات، رغم أننا خارج الجامع نخرج لنسير معًا. لا أفهم هذا الفصل التعسفي في هذه السن، ولا معنى العيب والحرام في أن نكون معًا. ** أتعلم القراءة في فترة وجيزة لسببين، الأول: تكشيرة وترهيب شيخنا في الكُتَّاب وعصاه الغليظة وصوته الجَهْوَرِيّ المرعب، وهو يملك في آنٍ “صك على بياض” من معظم الأهالي لتأديبنا وتهذيبنا وإصلاحنا، يستعمل فيه ما شاء له من مواهب التنفير والتخويف وصلاحيات السبّ والضرب. السبب الثاني: هو وجود مكتبة أبي الصغيرة التي تحوي عددًا كبيرًا من الكتب التي جلّدها في مجموعات وطبع عليها اسمه، فاعتقدت جازمًا أن أبي أديب ولابد أن أسير على دربه. ___________________________________________