وصف الكتاب:
كتسب يوميات فخري البارودي، في رحلته لتي حققها وقدم لها الكاتب والروائي السوري إبراهيم الجبين قيمة استثنائية لكونها تعبر في جوانب منها عن أحلام وتطلعات وأفكار شخصية نهضوية سورية ذات تطلع ليبرالي مبكر. فالرحلة إلى أوروبا كانت فرصة شخصية للبارودي الشاب ليمتحن أفكاره المدنية، ويجد لتطلعاته النهضوية نموذجا متحققا. فما وجد عليه مجتمعه الشرقي من مراوحة في كوابيس الماضي، وكان لا يزال جزءا من الإمبراطورية العثمانية المتداعية، اقترن في ذلك الوقت بأحلام الشباب السوري، وتطلعه إلى الخلاص من ربقة تلك العطالة الحضارية التي أسرت المجتمعات العربية وعزلتها عن ركب التطور الحضاري. في كل سطر من سطور هذه اليوميات ثمة نفحة من أمل وهبة من تطلع، وطرفة تعبر عن روح تواقة إلى ابتكار ملامح جديدة وزمن جديد، عبرت عنهما هذه الشخصية، التي سرعان ما رجعت من أوروبا لتخوض غمار نضال مجتمعي متعدد الأوجه: ثقافي، فكري، فني، وسياسي، فالبارودي الشاب اليقظ ابن البيت الدمشقي العريق جعل من بيته في حي القنوات قبلة للأدباء والمفكرين والفنانين والزعماء السياسيين على مدار أكثر من نصف قرن من الحراك اليومي لأجل المستقبل، وإلى قلعة مقاتلة في مواجهة الاستعمار الفرنسي والقوى الرجعية معا، وليتحول هو نفسه إلى أشهر زعيم دمشقي طوال النصف الأول من القرن العشرين، وبعض من نصفه الثاني. هذه اليوميات والدراسة التي وضعت لها أحاطت بالبارودي رحالة شابا إلى أوروبا مستطلعا نهضتها، ورجلا مقيما في سوريا مناضلا شرسا لأجل تحقيق تحررها الوطني ونهضتها المجتمعية، وبين هذا وذلك وطنيا سيق إلى معتقلات الاحتلال الفرنسي أو لاجئا في دول الجوار، هاربا من اضطهاد المستعمر ونفاق الساسة المحليين. وهي (اليوميات والدراسة) من ثمّ تستدعي إلى زمننا شخصية فريدة من نوعها لعبت أدوارا متعددة الأوجه في التاريخ السوري وأفقه العربي، وكانت الأبرز بين أبناء نخبه المثقفة ممّن اعتنقوا الأفكار الحديثة، وناضلوا لأجل وضع الأسس المجتمعية لصيغ الحياة الحديثة. وكما يطلعنا هذا الكتاب، فقد شغف البارودي بكل جديد، وقد ابتكر سبلا غير مسبوقة لنقل المجتمع السوري من كهوف القدامة إلى دنيا الحداثة.