وصف الكتاب:
فريدريك نيتشه، فيلولوجي كلاسيكي، هام بالروح اليونانية القديمة واعتبرها أسمى مثال يُحتذى به لاستعادة الوثبة الثقافية لألمانيا الصاعدة. لكن الروح اليونانية الأصيلة لا نعرف مداها ولا حدودها ولا أشخاصها، فهي مثل مدينة اصطنعها نيتشه من محض خياله، يقوم بتهديمها تارة، أو يُوسّع من حدودها، أو يُضيّقها بحسب مزاجه؛ فهو يُدخل فيها رجالا ثم يطردهم: الفلاسفة يجب أن يُبعدوا من الروح الإغريقية الأصلية لأنهم أعراض مرض الانحطاط؛ فنّ المسرحي يوربيدس له مواصفات مضادة للروح اليونانية؛ السقراطية التي تساوي بين الفضيلة والعقل والسعادة هي نقيضة لأقدم غرائز اليونان؛ في العلم المرح يقول بأن هذيان أفلاطون حول المثل لا علاقة له بالروح اليوناني؛ في “ما وراء الخير والشر” يذهب إلى أن مُنظّر المُثل أعلن نفيه لنمط الحياة اليونانية؛ فلسفته مشحونة مسيحية وعمّمت الأفلاطونية على الشعب؛ أبيقور أيضا لا ينتمي إلى روح الثقافة اليونانية، فلسفته، نظرا إلى أنها غريبة عن التشاؤم الديونيزي، فهي مثل الأفلاطونية توافق المسيحية. الإقصاءات تمتد لكي تصل حتى القَرنين اللذين اعتبرهما أوج العصر المأساوي: فالفلاسفة هناك لم يكونوا في مستوى غرائزها العميقة، غرائز الروح اليوناني الأصيل؛ بارمنيدس مثلا حين تأكيده على التجريد دخل في مرحلة أقل يونانية.