وصف الكتاب:
الأديب الناقد فوزي الخطبا الخاطرة هي مرآة القلب والإيقاع الأبهى لجمال الحرف وتشكيل الجملة والطاقة التعبيرية الكامنة في النفس وتأثيث الفراغات في دفاتر العاشقين، وتوأم الحلم وألق الجمال في عتمة الليل، وتراتيل الحمام في أوائل الصباح، ومدونة المُحِب على بياض السطر، وهمس العاشقين في آخر الليل. لهذا كله جاءت خواطر هديل ناصر تناغي القلب وتستثير الذاكرة وتشعل لثيمة اللون وتحلّق في فضاء الحلم، وتنسج من زيزفون الحنين والوعد والذكرى والشوق أجمل صورها وأبهى حروفها، تهمس في ظلال الأمنيات بوحاً شفافاً للقمر الحبيب الغائب الحاضر، فمن أي نوافذ تدخل خواطرها تجد ناراً تسكن القلب وجمر انتظار ووعد وعهد، وتراتيل يمام توغل في غابة الجمال و العشق و الكلام الجميل في أعماقه أو كصوفيّ متبتل في محراب العشق. تخضر خواطرها في حنايا الضلوع تنزل على قلب الحبيب برداً وسلاماً، تشع في خواطرها عبق الياسمين، وألوان الزهر، وحنين الذكرى، وطيف الحلم، وطوفان البحر، وتهجد الليل، وصلاة النهار، و سواد الليل، ومقلة العين، وابتسامات الصباح، وبرزخ الغياب. فقاموسها غني في مضامينه و دلالاته المتنوعة وتراثه اللغوي، تتماهى مع خواطرها بإشراقة العبارة، ونغمة الوجع، ولوعة الأسى، وعمق الجرح، وانين الشكوى، لأن هذه الخواطر تصدر من قلب مكلوم لا نستطيع في هذه المقدمة أن نقف عند كل خاطرة ودلالاتها المتعددة، وعتباتها النصية، وإشراقتها الأسلوبية، وبوحها المتدفق، وجمال لغتها، وإنما نقف عند الصورة العامة أو الكلية لهذه الخواطر. الكاتبة هديل ناصر تعيد تشكيل خواطرها بلغتها الخاصة بها، وراءها قراءات معمقة في الأدب والشعر تكتب من صميم الفؤاد قبل أن تكتب بمداد القلم بإحساس عميق ومشاعر ساخنة ودفقات شعورية شفافة ومن جمال قولها خاطرة (بين غيم ومطر): «ربما ذات شتاء/ وتحت مطرٍ منهمر/ ويدانٍ ترتجفان/ وقلب ينبض/ نلتقي/ حينها ستزهر الوجنتين/ ستخلق الروح من جديد/ ويرتفع مستوى الأدرينالين». وتجلت نزعتها الإنسانية المفعمة بالصدق في خواطرها ففي خاطرة (فراق محب) تدعو الله كثيراً للحبيب بأغلى الأمنيات وأجمل والأماني. «تدعو الله كثيرا أن يعيد قلبك كما كان قبله.. سجدة تلو سجدة، دعاء تلو دعاء، استغفار يليه استغفار. تهجد و قيام ليل و تقترب إلى الله زلفى بكل ما تستطيع، وتنتظر أوقات الإجابة لتدعو كل ما في قلبك» أي قلب هذا الذي يدعو إلى الحبيب بتمام الصحة والعافية. وعندما تنام الأنام ينبض قلبها حباً وشوقاً وجمالاً لطيف الحبيب الغالي وعينها لا تنام، ولسانها يلهج بالدعاء لشفاء الحبيب، ومن أروع قولها في هذا الباب « كنت أحاول ولا زلت أن أبعث رسالة لك، ولكنها تترجم على شكل دعوات تُرفع لله كلما تذكرت، وهل أنساك؟ « وفي خواطرها لا ترى الوجود إلا بصوته وصورته، فله حضوره البهي وألقه الجميل المؤثر في القلب والعقل والوجدان، ويذكر في صلاة وقيام الليل، فهي تقول في هذا الباب: «بقيت فرحة طوال الليل وأنا أفكر فيك إلى أن قمت الليل وذكرتك في سجودي». والكاتبة في خواطرها تفيض شوقاً ومحبة وعشقاً ووجداً ونداءً يستبد بها جمر الشوق ويسري في عروقها كما في خاطرة (عُد لي) وقدح القلب مشتعل بالوجد فهو لها أقرب من حبل الوريد وتقول في هذا الباب في خاطرة «كنت بعيداً فأصبحت أقرب من حبل الوريد، ثم غادرت فجأة، دون سابق إنذار فعدت كما بدأت». تأتي هذه الخواطر على نسق جمالي أخاذ وفي مضامينها المسكونة بلهب الشوق، وصورها الفنية العالية، وطاقاتها التعبيرية المتوهجة، وتناصها الموفق من القرآن الكريم، وإشاراتها الذكية جاءت بذكاء ومهارة وإتقان وفن. إنها خواطر تَسُر القلب وتَذْكِي العقل وتريح النفس مسكونة بأنفاس الشعر، واللّوعة والأنّات الدفينة والآهات تفيض من قلب يتضوع ندىً وجمالاً وروعةً وطيبةً وحناناً. لقد كشفت هذه الخواطر عن شعور عاطفي متدفق وإنساني وجداني شفيف وبما فيها من وجع ومكابدة وقيمة إنسانية عالية وأنات ودفء وحرارة ونبض مرهفة وزفرات من أعماق الذات ودفق رهيف وكلمات وتجليات والق توصيفي وتشكيلات نسقية وجدانية نبيلة وحالات شعورية وأحاسيس داخلية ونفسية ورؤى جميلة ودفق رهيف واستبطان من عمق الذات في فضاء رحب ومخيلة إبداعية مدهشة مشبعة بروح الفن تستحق الشكر والتقدير.