وصف الكتاب:
قلما نقرأ في تجارب السرد العربية نصاً إعترافياً ناضحاً بالغربة والنبذ , أسرع تقدماً من هذا المونولوج المسترسل في قصص جمعة الّلامي , من حافة الولادة على مرتفع في مياه الأهوار العراقية الجنوبية ( إيشان ميسان ) حتى الاستقرار الأخير على حافة الخليج في مدينة الشارقة. أدركْنا ـ نحن رفاق هذا المونولوج المتوحد بذاته الغريبة ، طولَ المسافة التي تفصلنا عن قصص جمعة اللاعبة بجحيمهـا الأيديولوجي , في أعقاب إنقلاب 1963, وانهيار اليوتوبيا الثورية ومقتل أنبيائها في أقبية التعذيب. آنذاك ادركْنا مسافةَ الطقس المأتمي ( العاشورائي ) الأسود الذي أقامته هذه الشخصية المضغوطة في قامة قصيرة مكوَّرة , وسبقتْنا إلى تقطيع أوصال النص السردي بمونولوجها الهذياني , وكانت قصـص الّلامـي تخفـق أمام عيوننا ( قصص مجموعته الأولى: مَن قتل حكمت الشامي ؟) مثل راية تنشرها رياح الخيانات والتصفيات. جهرَ الّلامي بمونولوج مأساة الانقلاب العراقي , تزامناً وتعاقباً مع مونولوج هزيمة حزيران العربية عام 1967 , فأنتج التقاءُ المونولوجين الجهيرين مونولوجَ الهجرة الذي حمل الّلامي إلى بيروت المقاومة , ثم مونولوجَ الغربة بين الإمارات العربية المتحدة وقبرص , ولما استقرّ غبار السفر على ساحل البحر , التقط مونولوجُ الّلامي المسترسل رجعـاً بعيداً نابعاً من ميـاه الولادة حول تلال ميسان , فأنماه بزهده وعزلته وحنينه , حتى بلغ به درجةَ الاعتكاف الذاتي على بهاء الخطاب الروحي وانفتاحه على مسافاته الأزلية , وأخرج من جنون الخروج القديم محبةَ اللغة الداخلة في حنايا النص الهامس ببوحه وتوقه إلى عناق الوجود المستأنس بعاداته اليومية البسيطة: كتابة عمودٍ صحفي يومي , الاختلاط بأنماط من الناس , والعزوف عن أخلاط غيرهم , وفوق هذا كله عبادة النور الأسمى. وبينما يتعزّى المناضل المجرَّب بهذه العادات والعبادات عوضـاً عن مخالطة أصناف النـاس في بلاده الأولى , يغادره مونولوجه ـ رغماًعنه ، ليرتاد قمة التلّ الميساني , ملتقياً بأشباح الأمس , متدارساً معها قيمة التحولات في نص لا يستقر ولايهدأ ولا يكف عن استرجاع أزمنة العذاب والهجرة.... - محمد خضير