وصف الكتاب:
اعتاد يوسف الخال أن يقول ، بشيء من الإفتخار لمن يسأله عن تاريخ ميلاده أنه ولد في 25 كانون الأول 1917 ، أي في نفس اليوم الذي يُحتفل فيه بميلاد السيد المسيح . ولكن الحقيقة التاريخية غير ذلك ، ويذكر المحقق هنا بأن هذا ما تبين له من سجلات الكنيسة الإنجيلية المشيخية في عمار الحصن ( جبل العلويين في سوريا ) التي تفيد أن يوسف عبد الله الخال ولد بتاريخ 5 أيار 1916 ، ومُنح سرّ المعمودية في 12 آب من السنة نفسها . ويعود هذا الإختلاف إلى تأخر والده في تسجيل أولاده لدى مختار القرية حتى عام 1925 ، فاختلطت عليه الأمور وسجل ميلاد يوسف عام 1917 بدلاً من 1916 دون تفاصيل أخرى . أمضى طفولته في عمار الحصن ، منتقلاً بعدها إلى مدينة محردة في محافظة حماه في سوريا حيث عُيّن والده راعياً للطائفة الإنجيلية المشيخية . أدخله والده عام 1928 المدرسة الأميركية الإنجيلية في طرابلس – القبة لمواصلة تعليمه المتوسط والثانوي . ومع تخرجه في حزيران 1934 استقل عن العائلة . ولما استهوته نزعته الأدبية بدأ يكتب في الصحف المحلية ، منها صحيفة " الشباب " ، وأصبح فيما بعد مساعداً لياسر أدهمي صاحب جريدة " الليل " الطرابلسية المعروفة بمعارضتها لسلطة الإنتداب الفرنسي . وفي أجواء الكبت السائدة ، وجد متنفساً لتطلعاته السياسية والفكرية في الحزب السوري القومي الذي انتسب إليه سراً في صيف 1934 . وكان هذا الحدث بالغ الأهمية بسبب الأثر العميق الذي خلّفه في شخصيته لا سيما على الصعيد الثقافي . ولعل مبادئ الحزب الإصلاحية كان أهم ما تأثر به في هذه الفترة . غادر طرابلس إلى بيروت على إثر حادثة الرصاصة التي كان ياسر أدهمي طرفاً فيها ، والتي نجا منها الخال بأعجوبة . ثم انضم إلى جماعة المكشوف في المجلة العديد من المقالات ذات الصبغة السورية الاجتماعية . ولما كانت الظروف مواتية عزم على مباشرة الدراسة الجامعية فانتسب إلى قسم العلوم السياسية في كلية حلب الأميركية التي تسمى اليوم المعهد العلمي . وبعد سنتين انتقل إلى المدرسة الأميركية في صيدا معلماً للعربية ومنشّطاً ثقافياً ( 1930 – 1942 ) . من مشاريعه الناجحة في هذه الفترة إصداره مجلة قرة الفنون القديمة العهد . وبعد أن حصل على منحة دراسية استأنف الدراسة الأكاديمية في جامعة بيروت الأميركية متحولاً من العلوم السياسية إلى الفلسفة ومتتلمذاً على يد شارل مالك . ويعود إلى هذه الفترة إنشاء " الرابطة الفلسفية " التي هدفت على تنمية حياة العقل والروح في أعضائها . ومن الجدير بالملاحظة أن بعض أهداف هذه الرابطة وجدت امتداداً وتطبيقاً في مجلة " شعر " . أثناء هذه المرحلة ورغم التزاماته الدراسية ، بادر مع مجموعة من الطلاب إلى إحياء مجلة " الكلية " المحتجبة وأصبح مدير قسمها العربي حتى تخرجه في حزيران عام 1944 . كانت هذه فترة غنية بالمضمون الفكري والثقافي ، إذ أعطت الخال تصوّراً آخر عن الوجود والإنسان ، وأكسبته موقفاً فلسفياً جديداً إزاء قضايا الوجود الكبرى ، منها قضية الحرية والفرد ، مما جعله يبتعد عن أجواء الحزب السوري القومي ، متحولاً إلى تيار فكري وسياسي آخر عبّر عنها في قصيدتي " الحرية " و " لبنان " اللتين نظمهما عام 1944 . نشر يوسف الخال عام 1945 باكورة إنتاجه الشعري في مجموعة الحرية التي ضمنها تجاربه العاطفية في قسم بعنوان " ضلال " ونظرته القومية في قسم آخر " شراع " . كما عبر عن صراع الحرية عبر التاريخ في مطولة شعرية بعنوان " الحرية " . عمل بعد تخرجه مدرّساً للعربية في الثانوية التابعة للجامعة الأميركية ، وفي عام 1946 أصبح مدير تحرير مجلة " صوت المرأة " ، ومن خلال عمله تعرّف إلى هيلين ، وهي فتاة أميركية لبنانية الأصل وتزوجها وسافر معها إلى الولايات المتحدة عام 1948 قصد الزيارة ولكن أقامته امتدت لسبع سنوات ، وصفها بأنها فترة أخذ لا عطاء . لم تستطيع أعماله صرفه عن اهتماماته الشعرية ورغبته في الإطلاع والإفادة ، فأقام العلاقات مع الأوساط الأدبية ، وأقبل على مطالعة الأدب الأميركي ، وترجم مقتطفات من روائعه . وكانت حصيلة هذا التفاعل مفهوماً شعرياً جديداً وأساليب تعبيرية حديثة سيعمل على نشرها في مجلة شعر . وقبل الدخول إلى مرحلة جديدة انتهز الخال فرصة صدور مسرحية " هيدوديا " الشعرية عام 1954 لتصفية حسابه مع الماضي معلناً أن الأساليب الشعرية القديمة من قوافٍ وأوزان ولغة لم تعد تصلح للتعبير الكامل الطليق عن خوالج النفس تلمس طريقه إلى الإندماج الاجتماعي في بيروت تنقلاً من وظيفة إلى أخرى حتى استقر به الوضع إلى إنشاء مجلة شعر عام 1957 والتي وبالتزامن مع صدورها باشر مشروعه الثقافي بإلقاء محاضرة " مستقبل الشعر في لبنان " التي تعتبر البيان الرسمي للحركة الشعرية الحديثة ، حيث حققت تلك المجلة بعض طموحاته في أن يؤدي رسالة للثقافة العربية ، أرادها رسالة نهضة وحداثة . [ ... ] هذه مقتطفات من مسيرة حياة يوسف عبد الله الخال الشخصية الفذة ، الشاعر ، والكاتب ، والمفكر ، والناشط الثقافي ، الذي لعب دوراً رائداً ومميزاً في طرح مفهوم حديث للشعر يتمثل بالتعبير الصادق عن تجربة شخصية يجب التعبير عنها بالتحرر التام من القوالب التقليدية والقواعد الموضوعة . من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يتضمن أهم وقائع حياة يوسف عبد الله الخال ، وذلك من خلال جدول متسلسل زمنياً في الفترة الزمنية : ( 1916 – 1987 ) . وهنا يشير المحقق إلى أنه عمل على تدوين سيرة يوسف الخال بشكل موثق ودقيق ، مستعرضاً أهم المعلومات غير المحققة لدى يوسف الخال أولاً ، ثم انتقالها إلى بحث لي أسد سمعان ، والصحافة ودار نشر رياض الريس ، منتهياً إلى إبراز وجه الخطأ فيها وتصحيحه بالتوثيق .