العلاج بالمسرح : توثيّق التجربة اللبنانية
- سنة النشر: 01 Jan 1970.
- عدد مرات التحميل: 502882 مرّة / مرات.
- تم نشره في: الإثنين , 14 ديسمبر 2015م.
وصف الكتاب:
يشرح الكتاب كيفية استخدام المسرح في العلاج النفسي، الذي يتخذ مسارات وتقنيات تمثيلية وتعبيرية وتفاعلية متنوعة تؤدي بشكل ما إلى البوح والكلام. يبحث كتاب "العلاج بالمسرح" للمخرج اللبناني عجرم عجرم في تجربة استخدام المسرح في العلاج النفسي، والتي طبقت على الذين عانوا من أعراض صدمة الحرب ما بعد عدوان "إسرائيل" على لبنان في تموز - يوليو 2006. بحسب عجرم عجرم، فإن تجربة البحث، الذي يتضمنه الكتاب حول استخدام المسرح في العلاج النفسي، هي محطة متقدمة لتلمس عالم المسرح العلاجي والعلاج بالدراما في لبنان اليوم، وذلك باستخدام تقنيات البسيكودراما والعلاج بالمسرح، والإعتماد على تطبيقات التقنيات المذكورة في تعديل السلوك من خلال لعب الأدوار وتعلّم الإسترخاء. يتألف الكتاب من خمسة فصول ومقدمة وخاتمة. تتركز إشكالية البحث فيه على أنواع المسرح العلاجي في لبنان والتقنيات المسرحية المعتمدة في محاولة لمعرفة أين يلتقي هذا النوع من المسرح مع المسرح التقليدي. كما يشرح الكتاب كيفية استخدام المسرح في العلاج النفسي، الذي يكون كما العلاج العيادي من خلال الكلام، ولكن العلاج العيادي يكون عادةً فردياً وعبر استخدام كرسي الإسترخاء حيث يستدرج المريض للكلام. فيما يتم العلاج بالمسرح جماعياً، ويتخذ له مسارات وتقنيات تمثيلية وتعبيرية وتفاعلية متنوعة تؤدي بشكل ما إلى البوح والكلام. ومن أهم استخدامات المسرح في العلاج النفسي، هي في السجون، وذلك من أجل التأثير على سلوكيات محددة. يشرح الفصل الأول المفاهيم المسرحية التي تستند إليها الممارسات المعتمدة في المسرح العلاجي. فالأخير هو إبن المسرح التقليدي في مسألة توظيف تقنيات المسرح في إطار تمثيلي بحت بقصد العرض والتأثير على الجمهور. كما يكون محكوماً بالتسلية والمتعة. أما في الإطار العلاجي فيكون هدفه هو التأثير على الممثل- أي المريض المشارك فضلاً عن الجمهور بهدف التخلّص من حالة نفسية أو سلوك ما. وهنا يبدأ عجرم بالحديث عن المسرح اليوناني وعن تاريخ المسرح اليوناني وبداية نشوئه في القرن السادس قبل الميلاد، حيث يعد المسرح بحد ذاته مكاناً لطرح إشكاليات أخلاقية أساسية لها علاقة بالمجتمع الذي يحيط به. أما في العلاج فيستخدم المسرح كمادة تمكّن الإندماج والدخول إلى عالم المتخيل، والتي تشبع عالم الأحلام التي اعتمد عليها فرويد كمادة للدخول إلى مخيلة المريض. حيث تؤدي المسرحة إلى خروج المتفرج كما المريض من سلبيته. كما توجد أنواع من المسرح، فهناك المسرح التحريضي ومسرح برشت والمسرح التفاعلي ومسرح بوال، ولكل منها وظيفة محددة مطلوبة منها. ويتم استخدام أنواع محددة من العرض المسرحي من أجل عرض المشكلة ومن ثم حلّها، أو علاجها. ومن أوائل من استخدم المسرح في العلاج النفسي كان الطبيب النفسي ج. ل. مورينو في كتابه البسيكودراما أي (الدراما النفسية)، معتمداً على دراسات من جاؤوا قبله. تكمن أهمية عالم البسيكودراما بأنه يستكشف الحقيقة بوسائل تمثيلية. وهي تهدف لمساعدة المتلقي على التطهير والوعي. والتطهير هو عبارة عن تنقية وتفريغ شحنة العنف التي يتعرض لها المتفرج. والمسرح العلاجي يستند إلى آلية التدريب المسرحي وعلى مقومات تتم من خلالها عملية التعبير والتواصل الذاتي والإجتماعي لتصبح العملية السابقة أكثر إنسابية وسهولة. وهناك أنواع أخرى من المسرح والتي يمكن استخدامها في المجال النفسي والتربوي ومنها المسرح التفاعلي ومسرح المضهد وهذا الأخير مفيد في حالات الإحساس بالفراغ والعزلة وحالات عدم التواصل، الذي يتسبب بحالات الإنتحار المرتفعة. وهذا ما يبحثه الكاتب في الفصول السابقة مقدماً للتجارب اللبنانية في مجال كل نوع من أنواع المسارح المختلفة. الفصل الثاني يستعرض أعمال المسرح التقليدي، والأسس والأعمال التي تقوم عليها تجربتا كل من منير أبو دبس وعايدة صبرا خلال الورش التجريبية المسرحية القائمة على التعبير والإرتجال التي تستحدم في المسرح التقليدي. ويعرض في هذا الفصل إعداد الممثل وتدريبه كي يتمكن من بلوغ الحرفية في العرض المسرحي، وذلك انطلاقاً من تمارين التحمية والإسترخاء، مروراً بتمارين التنفس والصوت وإرخاء العضلات وإدارتها والتدريب على الإلقاء والتعبير اللغوي، وصولاً إلى تمارين التمثيل والتعبير الجسماني وتقمص الشخصيات المسرحية والأداء المسرحي، وكيف يتقاطع ذلك مع خطوات ومراحل وتدريبات المسرح العلاجي والعمل مع المشاركين كي يتمكنوا من الإرتجال والعفوية والتعبير عن معاناتهم حتى بلوغ الشفاء النفسي. وتمر تمرينات أبو دبس لتحضير الممثل في خمسة مراحل تترافق مع تحضير النص المسرحي. ثم يبدأ الإعداد للمسرحية ولمختلف التقنيات المساعدة للممثل لأداء دوره كي يتمكن من الوصول إلى المتفرجين، أو المشتركين، والحالات التي تخضع للعلاج. عايدة صبرا، من جهتها، تصر على ضرورة أن يكون المدرّب ملماً بعلم النفس، فليس جميع المشاركين على نفس الدرجة من الجرأة. ولذا فعلى المدرّب يقع عاتق التعامل مع الخجولين منهم وأن لا يهملهم. والهدف من المشاهد التمثيلية المرتجلة اكتشاف الذات والوعي الداخلي، ولا مكان هنا للعرض المسرحي!. ويتم التحضير بحسب التقنيات التي قدمها أبو دبس. ولكن التحدي الذي على صبرا مواجهته هو تحدي التغيير، حيث تصل إلى نقطة مفصلية من خطوات الورشة المسرحية من أجل اكتشاف الخطوة التي تفتح الطريق أمام المشاركين من أجل اكتشاف الخطوة التي تمهد للعلاج أو للتحول الشخصي. ولذا فإن صبرا تطلب من المشاركين التعبير بغير الكلام إن لم يكونوا قادرين عليه. وما يهمها فعلاً، هو أن يشعروا بالحرية الداخلية. وطبعأ للورشة الداخلية خطوات تحتاج ستة أيام من التدريب لمدة أسبوعين. الفصل الثالث: المسرح العلاجي. يركز على تجرية لميا أبي عازار وفرقة زقاق مع تقنيات المسرح العلاجي والتي اهتمت بعلاج مجموعة من النساء المعنفات، والتي أنتجت العرض المسرحي "صار بدا صرخة". كما أسست لدورة تدريبية على استخدام المسرح العلاجي من أجل التخفيف من آثار عدوان تموز – يوليو 2006 على التلاميذ. وقد قامت بتدريب أساتذة المسرح على استخدام تقنيات المسرح العلاجي في نهاية العام 2006. وبحسب أبي عازار، فإن تجربة المسرح العلاجي تستهدف الفرد والمجموعة وهي متأثرة بنظرية المسرح الثالث ورؤية باربا للمسرح. والتقنيات المستخدمة في المسرح تمكّن المشارك من تركيب الشخصيات وتأليف القصص حولها، ومن ثم لعب الأدوار بما يعكس أفعالاً حقيقية يتم ارتجالها وتسمح بذلك بالتطور الشخصي للمشارك وبالإنكشاف أمام ذاته وأمام الآخر. يتم ذلك عبر مسار علاجي يستنفر الخيال ويستفيد من القدرة على ابتكار قصص خرافية يمكن تقديمها على المسرح. وبذا يتسنى للمشارك التعبير عما ينتابه من عواطف وأفكار وتناقضات ونزاعات داخلية، والتي يعبّر عنها بالأصوات والصراخ والكلمات فيتحقق بذلك النضج العاطفي والمصالحة مع الذات. وبعد ذلك يعرض عجرم النقاش الذي دار ما بين أبي عازار ومايا زبيب. إلا أن عجرم يرى أن ما حصل في مسرحية "صار بدها صرخة" هو تحفيز للنساء من أجل قول ما يردن قوله أمام الجمهور، وإذا كانت ثمة مشكلة قد تم حلها فهي مشكلة الجهة المموّلة، التي استفادت من المشروع كورقة ضغط على المسؤولين، من أجل إقرار قانون العنف المنزلي، وهذا ما يتطابق مع المسرح التحريضي وليس مع المسرح العلاجي. في الفصل الرابع، يعرض عجرم تجربة زينة دكاش مع العلاج بالدراما ولاسيما أعمالها في السجون اللبنانية. والمختلف حول عمل زينة دكاش أنها تمارس العلاج النفسي في عيادتها الخاصة. ويستعرض الكتاب تجربتها الخاصة في مسرحية "12 لبنانياً غاضباً" في سجن رومية. وتعرّف دكاش العلاج بالدراما بأنه مزيج ما بين تقنيات العلاج النفسي وتقنيات الدراما، وتستخدم التقنيتين من أجل تحقيق أهداف علاجية. ويكون ذلك من خلال لعب الأدوار، التي تساعد على اكتشاف الذات وتطوير العلاقات بين المشتركين. يوثّق الفيلم تطبيق تقنيات العلاج بالدراما مع السجناء ولمدة 15 شهراً. وهو نتاج جلسات العلاج بالدراما، وكان الهدف منها خلق مساحات آمنة يستطيع المشاركون فيها التعبير عن أنفسهم، مما يخلق لهم حالة من الثقة بالنفس. بعد فترة من الوقت بدأ المشاركون بتبادل القصص العميقة والتي تعبّر عن واقعهم. والمسرحية هي واقعية تماماً. هذا النوع من العلاج مخصص لهؤلاء الذين لا يستطيعون الجلوس على الكرسي والتحدث عن مشاكلهم. ولذلك فقد تم ابتكار العلاجات البديلة، وهو يعد نوعاً من اختبارات المواقف الحقيقية في الحياة. الفصل الخامس: المسرح الإرتجالي، وهو يتحدث عن تجربة "جمعية مارش" التي تعمل مع الشباب الذين انحرطوا في الحرب اللبنانية والذين يتحدثون في المسرحيات عن حياتهم. وكما يعرض تجربة المخرج لوسيان بو رجيلي في تأهيل الشباب المتحاربين من خلال برنامج مسرحي واجتماعي عبر ورشة عمل استمرت ستة أشهر. يهدف المسرح الإرتجالي إلى التأثير على المشاركين وتغيير قناعاتهم وسلوكياتهم من خلال لعب الأدوار. إنه - كما يقول عجرم - مسار تدخل من شأنه تغيير أفكار ومشاعر واهتمامات المشاركين. كما يهدف إلى زيادة تقدير المشاركين لأنفسهم وزيادة تقدير الذات وإضافة قدر كبير من الوعي إلى حياتهم الشخصية التي كانت ضحية الجهل والفقر والبطالة الفردية والإجتماعية، وبالتالي إنقاذهم وعلاجهم. في هذا الإطار يعرض عجرم لتفاصيل المسرحية التي رعتها "جمعية مارش"، والتي جاءت بناء على أحداث طرابلس، والتي أوحت بالتدخل ما بين المقاتلين في جبل محسن وباب التبانة والتي كانت أحداثها تشير إلى أن الصراع في معظم الأحيان هو صراع طائفي ومذهبي وأيديولوجي. وجاء العرض المسرحي والعلاج من أجل أن يثبت أن ما يحكى عن طبيعة الصراع من أنه طائفي هو مجرد وهم وأن السبب الحقيقي للخلاف بين الشباب هو الفقر والبطالة المدقعة. في الإطار نفسه جاءت مسرحية بو رجيلي "حب وحرب على السطح" والتي تتحدث عن أحداث جبل محسن ودرب التبانة من خلال التدرّب على مسرحية افتراضية بعنوان "علي وعائشة" والإسمان لهما دلالات مذهبية. يتعرف البطلان على بعضهما البعض. بعدها تندلع الحرب ما بين المنطقتين ويكون وقودها الشباب كما علي وعائشة. ولكن موت البطلين اللذين جمع حبهما المنطقتين يغدو بمثابة صحوة المنطقتين إلى فظاعة القتال. شيء يشبه مسرحية روميو وجولييت، ولكن ألا يمثل البطلان العديد ممن قتلوا في الحروب الأهلية. يشرح رجيلي أن الهدف من المسرحيات المقدمة هو الإستماع ليس فقط للكلام ولكن لكل رفة عين. فالمسرح التفاعلي كما تعرّفه الدكتورة ماري الياس التي عملت على المسرح التفاعلي في الريف السوري، لا يمكن أن يكون أداة لدعم موضوع معيّن أو مشروع ما، وليس أداة تغيير ولكن هدفه إلى جانب المتعة هو "فتح حوار مع الناس". لا مجال هنا للعب على ما يقدمه الكتاب، ولكن التقديم لأحد تقنيات العلاج النفسي الحديثة والتي باتت تستخدم في الدول العربية، أسوة بالغرب يدل على مدى تطور العلاج النفسي في الشرق وتطور المفهوم الذي بات يتم من خلاله التعاطي مع العلاج النفسي، الذي بات يكتسب أهمية متزايدة أسوة بالعلاج الصحي والجسدي. وتقديم الكاتب لأحد طرق العلاج المتبعة ألا وهي العلاج من خلال المسرح وكيفية التحضير له، لهو أمر ملفت في حد ذاته.
