وصف الكتاب:
إن كنتَ تظنّ أنّك مُقبل على رواية من "أدب السجون" ، حيث لن تجد فيها سوى التعذيب والألم ، وانقباض القلب وضيق النفس ، ومايدفعك خيالك إلى تصوره من أهوال وآلام ، فأقولها لك أنني كنتُ مثلك تماماً قبل البدء في قراءتها ، وبعد النهاية ، أعترف أنني كنت مخطئاً للغاية هي أولى قراءاتي في أدب السجون ، وأولي قراءاتي لـ د. أيمن العتوم ويالها من بداية بِلُغة رشيقة ، وعبارات بلغت أعلى درجات البلاغة ، وبأسلوب شاعريّ يسرد لنا الكاتب تجربته في السجن . بعد إلقائه لقصيدة من قصائده الجريئة التي " أطال لسانه" فيها على الحاكم فكانت تهمته " إطالة اللسان " سبباً في دخوله هذا العالم . و " ياما في الحبس مظاليم " ، مظاليم صاروا أكثر ممّن يستحقوا الحبس والبدايات معروفة ، زيارة مفاجأة ، فتفتيش ، فطلب للتحقيق ، فإيداع في سجن القسم ، فترحيل إلى سجن ، ثم محاكمة عسكرية ، ثم حكم ظالم بالسجن لشهور ، !! والتهمة .. إطالة اللسان !! ما أكثر المُضحِكات المُبكيات في وطننا العربي ومع بداية حكاية الكاتب في السجن ، تبدأ شخصية جديدة في التشكُّل بالطبع تعرض الكاتب في الرواية لمُسلّمات لابد من وجودها في معظم السجون ، كالتعامل المهين أحياناً والطعام الغير صحي والعناية الطبية الغائبة في الغالب ، إلى آخره من منغصاتٍ للحياة وأسبابٍ لتحويل السجن إلى جحيم بدلاً من أن يكون مكان للتهذيب والإصلاح وما الجميل وسط هذا الجو الكئيب ؟ بينما تمر الأيام ، ثمة عقول تُبنى ، وشخصيات يُعاد تشكيلها في داخل السجن ، ثمة عالم آخر داخل العالم ، وشخصيات لن ترَ لها مثيلاً خارجه " شخصيّات السجن ليست أىّ شخصيات ، شخصيات يستحيل أن تعثر عليها ولو خرجت من السجن مسافة خمسين متراً ، شخصيات لا توجد إلّا خلف القضبان ، ولا تتشكّل إلا حين تطعنها سكّين الوحدة والأمل والترقّي والخوف والرّجاء والحزن والفرح والشكّ واليقين والعبوديّة والحرية و.... ، شخصيات لا تتعرف إلى نفسها لو هى أرادت أن تعرف مَنْ هى حين تغادر قضبان السجن إلى الأفق الممتد بلا نهاية " نشاهد في الرواية كيف تتشكل شخصية أيمن العتوم داخل السجن ، بعد ما عاناه ، وبعد ماشاهده ، وبعدما تأثر " بأصحاب السجن " ورفقاء تلك المرحلة العصيبة ، وهذه النقطة يصعب عليّ الحديث عنها ، يجب أن تقرأها بنفسك وتشاهد كيف يغير السجن في الشخصية وهذه النقطة هي ميزة الرواية ، هى الغاية التي استحقت الرواية أن تُكتب من أجلها كم تنقلب موازين الحياة في غياب الحرية ؟ وكم ترتفع قيمة الأشياء بعد فقدها ؟ وكم من دروس ستتعلمها وأنت تقرأ هذه الرواية الكاتب دارس وعاشق لـ اللغة العربية ، وشاعر فصيح ، ومتأثر بالقرآن الكريم فـ لكَ أن تتخيل مزيج البلاغة الذى يجري في دمه ويتملك عقله فينعكس على كل سطر فى الرواية ما لم يعجبني في الرواية ، تعدد الشخصيات ، وهذا يرجع إلى تنقل الكاتب من سجن إلى سجن ، ومن قسم إلى آخر داخل السجن ، وبالتالي التعرف على العديد من الشخصيات ، بعضها كان مهم والبعض كان يمكن التغاضي عن ذكره في سبيل التقليل من ازدحام الشخصيات . أيضاً اللحظات التي كان الكاتب يخلو فيها إلى نفسه ، والتخيلات التي كان يتخيلها ، وما إلى ذلك ، كانت مملة وأصابتني بالتشتت، وبها جرعة كبيرة من التفلسف الذى لا داعي له من وجهة نظري تجربة ثرية ، مراقبة تبلور شخصيات السجن الرئيسية المصاحبة للكاتب ومراقبة تحولات شخصية الكاتب داخل السجن أشعرتني بمدى عظمة الحرية ومدى تأثير غيابها على الإنسان . كما تغيرت نظرتي للعديد من الأشياء التي يسهل الحصول عليها وأنت حرّ، كالقلم مثلاً ، وكيف أن مثل تلك الأشياء البسيطة لا نشعر بعظمتها إلّا عندما تُسلب منا ..ياصاحبي السجن كم تبدلت أحوالكم في السجن وتبدلت أحوالي وأنا اقرأ قصتكم