وصف الكتاب:
يتألف الكتاب من باب تمهيدي، يتحدث عن المصطلحات المتصلة بنظام الحكم، ويعرّف بالأعمال العلمية التي قدمت في هذا السبيل، وعلى رأسها ما قدمه القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، والجويني، والماوردي، وابن طباطبا الطقطقي، وابن القيّم، وابن خلدون، وابن تيمية وغيرهم، كما يستعرض المحاولات الحديثة لفهم الدولة في الإسلام، عبر ما قدمه علي عبد الرازق، والصعيدي، والعلايلي، والمراغي، ثم يفرد تعريفًا دقيقًا لأكثر من من خمسين مصطلحًا سياسيًا، وتطور دلالاتها خلال التاريخ. تفرد الدراسة فصلًا خاصًا للتفريق بين الدولة والأمة والخلافة، وتقدم قراءة جديدة لمفهوم الخلافة، وتدعو إلى إحيائها من جديد، ولكن في صيغة حضارية لا تقوم على الاستبداد والفردية، ولا تعتصم بحق إلهي أو تاريخي مقدس، وإنما تقوم على إحياء مؤسسة حضارية واعية، تنتظم فيها الدول الإسلامية والهيئات والشعوب، وتنهض بهم قوة تنسيق وتدبير، تقوم بحشد طاقات العالم الإسلامي ومصالحه في مشاريع النهضة وعلى منابر الأمم. أما الباب الأول فقد خصص للحديث عن نظرية الحكم الرشيد في الإسلام، حيث تبسطها الدراسة في جملة أصول معيارية، تكشف بدقة عن الأهداف التي توخاها الرسول الكريم في بناء دولته الراشدة الأولى، وتخصص الدراسة خمس محددات لتكون رؤية الحكم الرشيد في الإسلام، تبدأ بالتأكيد على أن الحكم الرشيد هو مسألة رسالة لا مجرد خدمات، وأنه معني بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، دون أن يمارس الإكراه على الناس. ثم يتحدث عن رؤية الحكم الرشيد في الإسلام للوجود في تراتبية رباعية: حقوق الإنسان، وكرامة الأوطان، وإخاء الأديان، وأمانة الأكوان. وهي تراتبية تكشف تمامًا عن الإحاطة المطلوبة بالوجود بدءًا من الإنسان الذي هو كور هذا العالم وغاية الخلق وسيد الكائنات وروح الله وكعبة الملائكة، إلى الأوطان التي تتأسس بالعقد الاجتماعي، ويقوم الحكم الرشيد بالإخلاص لها والدفاع عنها، إلى الأديان التي يعتبرها الحكم الرشيد في الإسلام قيمًا حقيقية وطاقات بناءة، من خلالها يؤسس لسيادة الفضيلة وسمو الروح، ثم تتحدد الرؤية في أمانة الأكوان، حيث يعتبر الحكم الرشيد أن الأكوان أمانة أودعها الله بين يدي ابن آدم، وأننا في هذا الكوكب لسنا مفعولًا به منصوبًا وقع عليه فعل الفاعل، بل نحن فاعل مرفوع، حملنا الأمانة باقتدار ووعي وحكمة، وقد سخر الله لنا ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه، وتعبدنا بتسخيره في الأرض لخدمة الإنسان، وهكذا تتحول علاقة الدولة بالموجودات: إنسان وحيوان ونبات وجماد وثروات طبيعية، من علاقة مصالح نفعية إلى علاقة استخلاف وأمانة إلهية، يقوم بها الحكم الرشيد تكليفًا من الله وتسخيرًا للإنسان. أما في أسس الحكم الرشيد فتلخص النظرية هذه الأسس في خمسة محددات: السيادة لله، والسلطان للأمة، والتشريع بالواقع، والاحترام للتاريخ، والعقد للمجتمع. فتقدم سيادة الله في المجتمع بوصفه رمزًا للفضائل العليا فوق الدستورية التي تنص عليها دساتير الأمم، ويذكر الكاتب بأن 54 دولة إسلامية من أصل 57 دولة إسلامية قائمة تنص دساتيرها، من دون تردد، على أن الإسلام دين الدولة، وتؤكد أن هذا التنصيص الذي يحفظ مكانة القيم العليا في الإسلام لا يشتمل على أي تهديد لحريات الآخرين، وأن هذه السيادة التي تنص عليها دساتير الدول الإسلامية لم تؤد إلى تهميش الأديان، بل تعكس هوية هذه الأوطان الإسلامية التاريخية، وتفرد لسيادة الله مكانًا مناسبًا يحتفظ بالقيم العليا في أعلى درج الاهتمام.