وصف الكتاب:
يضم الكتاب الذي ترجمته المصرية عبير عبد الحافظ، قصائد متنوعة، مستلة من تجربته الشعرية، ومن حياته، ودورانه الجمالي في اللغة الإسبانية، هذه اللغة الهائم بها الشاعر، والتي على حد تعبيره، أنه يعيش فيها ويعتبرها وطنه الحقيقي، لغة عمالقة الشعر العالمي، فكيف سيكون معه الحال، حين تنضاف إليه الإنكليزية، فهنا سيكون الإبداع مضاعفاً، فمترجمته المصرية قدّمته إلى العربية، بعد تدقيق واختبار ومعرفة بشعره، بعد أن غاصت في عالمه، ولمسته عن كثب، لقد التقت المترجمة بشاعرها، لكيما تتوصل معه إلى المسار الصحيح للعمل، وللنص الدقيق للترجمة، وكذلك راسلته، حتى اطلعت بشكل تام على تجربته الروحية والنفسية في نيويورك، لتُمسي على بيِّنة من عالم قصائد “المهرّج وظله” و”قصائد مترو نيويورك” و”مغزل العالم”. تقول المترجمة: “في فصل المهرّج وظله تصل هذه الحرفية في الكتابة مداها، من خلال ازدواجية تتسم بها هذه القصائد وتذكر بسونيتات اللغة الإسبانية الكلاسيكية، أما قصائد مترو نيويورك فيتضح بها العنصر السيكولوجي، وتتسم بالصراحة والقوة والبريق، ويبدو مشهد القصيدة وكأنه من خلال كاميرا ترصده بدقة، وتعكس الواقع الذي يحياه الكاتب بتفاصيله اليومية والحياتية الدقيقة”. كتب شعراء كثيرون عن نيويورك، كل من وجهة نظره، كيف ألهمته المدينة فناً، وما هي التداعيات التي خلفتها في خياله ورؤاه، وما هي التحوّلات الحديثة التي طرأت على بِنيتها، لتشيّد هذه الصّروح العالية، تلك التي تثقب السحاب، كيف هم الناس الذين يعيشون بين ظهرانيها؟ وما هي أحلامهم وتطلعاتهم؟ وسط عالم الرأسمال والبورصات واللهاث السريع باتجاه أعلى مراحل الرأسمالية. من قصيدة نيويورك نختار: “يمكن تعريف هذا العالم بالازدراء والغطرسة، إيماءات تقزّز البشر، كتف بكتف جلوسٌ في المترو، نظرة ثابتة في الوسط تخترقك …. لمن يتفحّصك دون أنْ ينظر إليك، سيكون ضرورياً مقتل جون لينون ومواجهة السوداوية”. ثمة حس سودواي، وروح بوهيمية وعدمية تشغل أغلب قصائد الشاعر، روح تستدرج اللوعة والحيرة والتفجّع، على العوالم الرومانسية، تلك التي تكاد تنقرض وسط عالم السرعة اللاهثة، والإنسان المُصنّع، والمعروض للآلة، وللماكنة الجشعة التي تعمل دون كلل، من أجل التهام كل شيء، والشاعر أجواساكو يؤكد غالباً على الإنسان والمدينة: “مانهاتن عاشقة في الأربعين، منهكة وقذرة، منهاتن، رائحة الفودكا في الأفواه والوعد بالمتعة، تمرّ إلى جواري وتغمز بعينها، أهرع إليها بزجاجة في يدي، أرغب أنْ أحبّها في كلّ نواصيها، أنْ أخبرها باسمي بصوت مسموع وأحاول ألا تنساه”. يتحدث الشاعر القادم من العالم الثالث، إلى أشهر مدينة في العالم، عن عالمه أولاً، ثم عن العوالم النيويوركية، فثمة بون شاسع، ومسافة فكرية ورؤيوية وجمالية بين العالمين، فعالمه بسيط، فقير، مدهش وساحر، وفيه بكوريات، فيه أصالة ما، وعالم نيويورك تتخلله المدنية المسرعة، الصارخة في مباذلها، وطريقة تفكيرها، ونمط عيشها، وفي مساق السلوك الذي اختارته كحياة جديدة لعالم جديد: “يجب أنْ تكون نيويوركيّاً تماماً، وأنْ تنسى ما هو وقت الفراغ، يجب أنْ تكسب دولاراً في الدقيقة وتنفقه في الدقيقة التالية”. وعن المهاجرين، وعالمهم السفلي، ومشاريعهم، وحياتهم التي يعيشونها، وسط اصطراع القيم والمبادئ والأوليات، تلك التي عرفتها الحياة كمنظومة إنسانية لا يمكن للمرء أن يحيد عنها، لينغمس رغماً عنه، في جو المسوخ والمهاوي التي تدّخر وتخبّئ العوالم الشريرة: “المهاجر الحديث يحاول مضغ لسانه من يفقد أحد أسنانه باحثاً عن عمل من يفقد كلّ أسنانه بسبب العمل من يكذب بشأن موقفه كمهاجر، من يتركهم يكذبون عليه ويدّخر بعضاً من عضوه، الفتاة تهجر حبيبها ساكن الكهف، وتحب مواطن المدينة، الشاب يخون امرأته مع عجوز الطابق الرابع”.