وصف الكتاب:
عندما قرأت , وأنا مازلت طالبا فى الجامعة , عبارة لينين " السجن مدرسة الثوار " , كان أول ما تبادر إلى ذهنى هو أن قائد أول ثورة شيوعية استطاعت الاستيلاء على السلطة فى العالم , يقصد بتلك العبارة أن السجن اختبار لصلابة الثائر , وصقل لمقدرته على التحمل والمقاومة , ولا شىء أكثر من ذلك . لكننى أدركت كم كان فهمى سطحيا بعد تجربة السجن التى مررت لها مع عدد كبير من الشيوعيين والتقدميين واليساريين , من أول يناير 1959 وحتى مايو 1964 . وسأحاول أن أوضح للقارئ كيف أن عبارة لينين أبعد أثرا بكثير مما تصورته قبل هذه التجربة , التى كتب عنها الكثيرون قبلى . وقد حفزنى إلى الكتابة فى هذا الموضوع , أن جميع من كتبوا عن تجربة السجن , تحدثوا طويلا عن ظروف الحياة اليومية للسجن , وبصفة خاصة عن اللحظات – التى طالت أحيانا – القاسية إلى حد بعيد , وعن التعذيب ( بشىء من المبالغة أحيانا كثيرة ) . وربما كان الصديق العزيز محمود السعدنى هو الوحيد الذى رسم هذه التجربة التى مر بها معنا فى عدد من أعماله , وبصفة خاصة فى " الطريق إلى ذمش " صورة كاريكاتيرية , أعترفُ أن وقائعها قريبة جدا من الحقيقة , وإن أضفى عليها أسلوبه الساخر الرشيق بعد أن نزع عنها الصبغة الدرامية التى حاول الكُتاب الآخرون إضفاءها عليها . لكنهم جميعا أغفلوا تقريبا – إلا من إشارات عابرة على ما أذكر – الحديث عن جانب هام جدا من الصورة , ألا وهو ألوان النشاط التعليمى والثقافى والإعلامى والرياضى والترويحى , ونشاط تنظيم الأحوال المعيشية , التى كان المسجونون يقومون بها , فى ظروف كثيرا ما كانت صعبة , وذلك على الرغم من الأهمية الكبيرة لألوان النشاط هذه على ما أظن . وإنصافا لمحمود السعدنى , فإنه لم يكن يستطيع تناول الجانب الأول فيما كتبه عن السجن , وبصفة خاصة فى " الطريق إلى ذمش " , وذلك بسبب بسيط , وهو أنه – لحسن حظه – لم يبق فى السجن سوى بعض العام , فهو فى الحقيقة لم يكن شيوعيا فى يوم من الأيام , وإنما حامت حوله شبهات رجال الأمن لواقعة كتب هو قصتها تفصيلا فى كتابة المذكور , ولا مجال لذكرها هنا . وعندما اكتشفت السلطات هذا الخطأ بعد شهور طويلة , لكنها لم تتجاوز العام , تم الإفراج عنه . وبذلك فهو لم يشيد الجانب الأكبر مما سأرويه هنا . وهكذا , فقد قررت أن أكتب عن هذا الجانب الذى لم أجده فى كتابات الزملاء الآخرين حتى تكتمل الصورة , خاصة وأن هذا الجانب هو الذى لم نكن فيه , نحن المسجونين , مجرد عنصر سلبى من عناصر الصورة , أى مجرد متلقين ومستسلمين أو مقارمين لما يحدث لنا , بل كنا نشكل عنصرا إيجابيا فعالا , يجعل من الظروف الصعبة التى نعيشها فرصة لا نضيعها , حتى تكتسب مزيدا من الثقافة ومن المعرفة , بقدر ما تسمح به الأحوال , لكى لا تكون فترة السجن فترة ضائعة من حياتنا.