وصف الكتاب:
عد ّ القرن التاسع عشر عصر الاستعمار الحدیث. اذ بلغت حركة الاستعمار الاوربي فیھ درجة عالیة من السیطرة واستعمار العالم في مختلف بقاع الارض، واصبح الاحتلال العسكري امرا حیویا للھیمنة السیاسیة والاقتصادیة بعد ان كان التغلغل والحصول على الامتیازات ھو وسیلة المستعمر. وكان الغزو الفرنسي لمصر (1798 – 1801م) بدایة لمرحلة جدیدة في تاریخ مصر اذ ربطھا بالقوى الكبرى على نحو واسع، كما نبھ ھذه القوى الى اھمیتھا الاستراتیجیة والاقتصادیة والعسكریة، ولاسیما في نظر الساسة البریطانیین الذین عدوھا حلقة الوصل التي تربط بریطانیا مع مستعمراتھا في الھند. وازداد ھذا الاھتمام بشكل ملحوظ بعد افتتاح قناة السویس عام 1869م حیث رأت الادارة الاستعماریة البریطانیة ضرورة بسط نفوذھا على مصر. كانت الازمة المالیة التي مّرت بھا مصر في عھد الخدیوي اسماعیل (1863-1879م) ھي ابرز الامور التي حاولت بریطانیا من خلالھا التدخل في شؤون مصر الداخلیة بحجة حمایة رأسمالھا داخل مصر، فعملت على ایجاد الحجج من اجل فرض سیطرتھا على البلاد. وعندما انتفضت مصر بقیادة احمد عرابي عام 1881م ضد مظاھر الاستبداد الخدیوي والتدخل الاجنبي واقامت اول حكومة وطنیة بأرادة الشعب تذرعت بریطانیا بأن ھذه الثورة باتت تشكل خطراً محدقاً بمستقبل الاسرة الخدیویة التي تسعى للمحافظة على ھیكلھا وبما یخدم مصالحھا في مصر. انفردت بریطانیا بالتدخل في مصر الذي اسفر عنھ الاحتلال البریطاني في ایلول 1882م ضاربة عرض الحائط كل الاعراف والقوانین الانسانیة وتنكیلھا بالزعماء العرابیین. مما ھیأ لھا السیطرة على مقدرات مصر وخیراتھا، وعملت على ادارتھا وكأنھا احد مستعمراتھا، واقامت فیھا حكومة "العقول البریطانیة والايدي المصريه" التي وصفها المندوب السامي لدى جنوب افريقيا 1899 "بالمحميه المقنعة".