وصف الكتاب:
أخذت تمشي تتحسس الطريق، تتعثر أحيانًا، وتسقط أحيانًا أخرى، فالطريق وعرة وطويلة، والليل حالك الظلمة، إلا أنها ورغم ذلك ما تلبث أن تنهض، تنفض الغبار عنها، تمسح ما سال من دمها، وتضمد جرحها النازف، تأخذ نفسًا عميقًا، ثم تتابع مسيرها.. شاهدت ثقبًا في الجدار المرتفع الذي يفصلها عن العالم، وقفت على رؤوس أصابعها، استطاعت أن تركز بصرها من خلاله، رأت نساءً كثرًا مقيداتٍ بأغلال مختلفة؛ منها الحديدية، والخشبية، والحريرية، وغيرها.. وطبعًا تختلف صلابة القيد وشدته باختلاف الصانع والمادة المصنوع منها، والغرض المستعمل لأجله القيد، إلا أن العامل المشترك بينهن جميعًا في هذه البقعة أنهن مقيدات جميعهن، تعثرت بصخرة كبيرة، تحسستها فإذا بها تسد الطريق أمامها، جاهدت نفسها واعتلتها بعد سقطات عدة، فإذا بها تطل على بقعة أخرى منخفضة محاطة بسور مرتفع يغلق سقفها شبك معدني، تضم داخلها عددًا كبيرًا من النساء والأطفال من أعمار مختلفة، شعرت بها كسجن كبير، وبصعوبة أيضًا اجتازت الصخرة وتابعت طريقها، تدور في ذهنها كثير من الأسئلة التي تحيرها إلا أنها لم تعثر في قريحتها على إجابة لها. ومن خلال كوة صغيرة تسللت خيوطٌ من ضوء الشمس ودفئها إلى داخل النفق، وبصعوبة استطاعت الوصول إليها، أبصرت ربوة خضراء رائعة الجمال، أشجارها نضرة، وثمارها يانعة، وطيورها تطير بحرية من غصن إلى آخر تشدو ألحانًا عذبة، تمنت لو تستطيع اختراق النفق والوصول إليها، إلا أنها تدرك تمامًا أن هذه المحطات تعبر بها دون أن تستطيع البقاء بأي منها، فعند فوهة النفق هناك ما ينتظرها.. وبعد أن أنهكها السير وأدمت قدميها العثرات، بدأ نور يتسلل من مكان ما، قفز قلبها فرحًا، ففوهة النفق باتت قريبة، وها هو ذا ضوء النهار يلوح مؤذنًا بقرب خلاصها من هذا الأسر المفروض عليها، حثت الخطى رغم الآلام التي تطبق فكيها على جميع أنحاء جسدها، تناهت لأذنيها أصوات الحرية التي أكدت لها قرب خلاصها.. في هموم المرأة نتحدث بدون مواربة...............................