وصف الكتاب:
هنا يبرز أمامنا مرجع مهم يُفصّل نظام الوقف وعلاقته بالدولة الحديثة في مصر، موضحًا الصلة الوثيقة بين الجماعة والدولة، والأدوار التي تجلّت فيها تلك الصلة وتبعاتها الاجتماعية والسياسية، ونعني كتاب «الأوقاف والمجتمع والسياسة في مصر»[1] لمؤلفه الدكتور إبراهيم البيومي غانم [2] أستاذ العلوم السياسية. يتضمن الكتاب دراسة تفصيلية لنظام الوقف، وللتطورات المؤسسية والإدارية التي لحقت به، بالإضافة إلى الأنشطة والخدمات المتعددة التي ارتبطت به عبر تاريخ مصر الحديثة. ويأتي الكتاب، وهو في أصله أطروحة للدكتوراه، في خمسة فصول، يتناول الكاتب في الفصل الأول «العلاقة بين الأوقاف والسياسة في إطارها الفقهي والتاريخي»، فقه نظام الوقف وأصوله الشرعية، ويبين صلته بالسياسة، ويقارنه بالصيغ المعاصرة للعمل التطوعي من حيث الشبه والاختلاف بينهما، فيعرّف الوقف في الاصطلاح الفقهي بأنه «حبس العين على حكم ملك الله تعالى، والتصدق بالمنفعة حالا أو مالا»، وهو المعنى الذي ميّز منظومة الوقف منذ نشأتها في القرن الأول الهجري وحتى بدايات العصر الحديث، إلى أن ظهرت الدولة الحديثة. قدم غانم بيانًا لأهم الأسس التي وفرت الحماية الشرعية لنظام الوقف ضد احتمالات سيطرة الدولة عليه؛ وهي: احترام إرادة الواقف، واختصاص القضاء وحده بسلطة الإشراف العام على الأوقاف، والاعتراف للوقف بالشخصية المعنوية الاعتبارية. يفرق المؤلف بين مفهومين للسياسة؛ الأول: يستخدمه علماء السياسة في العصر الحديث، وجوهره التخصيص السلطوي للقيم والموارد المتاحة للدولة. والثاني: طبقا للتراث العربي الإسلامي ويعني تدبير شئون الناس بما يصلح أحوالهم في الدنيا والآخرة. ويرى غانم أن الثاني ربما يتضمن وظيفة الأول إلا أنه يحققها بطابع اجتماعي تلقائي خارج سلطة الدولة وأجهزتها من خلال نظام الوقف. ويبحث الكاتب هذه القضية تحت عنوان «التأسيس الاجتماعي للأوقاف في مصر الحديثة وأبعاده السياسة»، من خلال الفصل الثاني، معتمدًا في ذلك على وثائق وإجراءات تأسيس الأوقاف، تلك الوثائق التي عكست التطور في الدوافع المعنوية والمضامين السياسية ومجالات عمل نظام الوقف عبر تاريخ مصر الحديث وخاصة بعد عام 1952. ويلفت المؤلف النظر إلى أن أهم المجالات الاجتماعية التي ساهم فيها نظامُ الوقف مجالَ التعليم والثقافة العامة، من خلال التركيز على مؤسسات التعليم الموروث المتمثلة في الكتاتيب والمعاهد والأزهر، إلى جانب الاهتمام – بصورة أقل – بمؤسسات التعليم الحديث، وتطور الأمر إلى وجود وقف على البعثات العلمية إلى الخارج. ولم يقتصر دور الوقف على التعليم، وإنما شمل مجالات أخرى مثل الصحة فساهمت الأوقاف في بناء المستشفيات، والخدمات العامة، حيث إقامة أسبلة المياه والتكايا ودور الضيافة ومدافن الصدقة، والرعاية الاجتماعية فظهرت الملاجئ ودور الإيواء، وقدّم المساعدات للمحتاجين، بل ودعّم النظام الاجتماعي والمحافظة على تماسك الأسرة التي هي وحدة المجتمع، هذا بالإضافة إلى دعم الحركة الوطنية. ويؤكد الكاتب – في الفصلين الثالث والرابع – أن المجتمع عظَّم من أدوار الوقف في فترات الاستعمار لخدمة أهداف التحرر وللمحافظة على الثوابت الوطنية للأمة وأصولها المعنوية والمادية، مما يدل على مرونة نظام الوقف وقابليته للتكيف والاستجابة لتحديات الواقع.