وصف الكتاب:
هذا الكتاب المهم جاء من خارج الإطار، أي من خارج المسلمات، ليس إلا قراءة متسائلة ومتفحصة، قراءة مغايرة لقراءة «الفقهاء» والمفسرين لموضوعة المرأة وما يتعلق بها من مسائل فقهية متعارف عليها منذ زمن طويل، ومن ثم المواقف والأحكام التي بُنيت عليها، التي يعدّها جلُّ المسلمين تطبيقًا حرفيًّا لما جاء في التنزيل العزيز. منذ البدء نؤكد، يقول الباحث «محمد رسول أبو رمان»، على المقولة التي تُنسب «لعلي بن أبي طالب» رضي الله عنه: «هذا القرآن إنما هو خطٌّ مسطورٌ بين دفتين لا ينطقُ بلسان، إنما يتكلم به الرجال» . أي أن القرآن لا يُخبرُ بنفسه عن مراد الله على وجه التعيين، فليس له لسان. وفي الحقيقة الذي ينطق به هو الإنسان الذي تتحكم فيه موروثاته وعاداته وتقاليده وثقافته، بدليل أننا نجد في تفسير الآية الواحدة عدة أقوال واجتهادات. وفي النهاية إنما هي اجتهادات ومقاربات بشرية نسبية للحق المطلق الذي لا يعلمه إلا الله، فكُلٌّ يتشرب النص ويعيد إنتاجه حسب ثقافته وسعة اطلاعه واجتهاده ونزاهته. يشدد الباحث على أن «القرآن الكريم» هو كلام الله، إلا أنه قابل لتفاسير شتى، كما أن سعة دلالة مفرداته، واتساع آياته قابلة لوجوه من التأويل، وأن كل من يدعي أنه يملك المعنى الواحد والحقيقي للقرآن إنما هو يتكلم باسم الله تعالى وينصب نفسه في موضع العليم ذي المعرفة المطلقة. فيوهم الناس أنه يمتلك الحقيقة التي لا يمتلكها إلا الله عز وجل. فينكر حدوده البشرية ونسبيته الجوهرية. ومع أن الصحابة أنفسهم وهم أقرب الناس إلى التنزيل لم يدّعوا أنهم يملكون الحق المطلق إنما كانت تتفاوت الآراء بينهم وتختلف. في هذا الكتاب تحريك لما ركد واستقر من قراءة ومواقف بشرية غدت بفعل الزمان مسلمات مقدسة لا تستدعي التحقيق. لذا نجد في هذا الكتاب قراءة تحليلية نقدية بعيدة من التبريرية أو الدوغمائية السائدة في دراستنا الإسلامية. فلا شك أن الفكر الراكد بحاجة لمن يحاوره ويحركه ويناقشه حتى لا يتحول إلى آسن عفن يهدد الفكر الحر، ومكتسبات المعرفة البشرية. يؤكد الباحث أنه يسلك طريقًا خطرًا وشائكًا في مساءلة المستقر والراكد في عقول الناس، وتهديد إجماع الأمة، يدفعه في هذا كله إيمان عميق «وبأننا إذ نسائل الفقهاء لا نقر حقيقة نهائية، ولا نثبت تأويلًا قاطعًا، وأنَّى لنا إثبات حقيقة ونحن مؤمنون بأننا ما «أوتينا من العلم إلا قليلًا» يدفعنا اعتقاد بأن تأويل القرآن على الوجه الذي يريده الله لا يعلمه إلا الله، وثمة تسليم بأن الله عز وجل سينبئنا تأويله يوم القيامة فيما كنا مختلفين. إننا إذ نقبل دعوة القائلين بالتسليم لتأويلات الفقهاء حرفيًّا، فإننا نحول أصحابها إلى ناطقين رسميين باسم الله، متناسين أنهم باعتمادهم هذا التصور إنما يعبدون الفقيه في أشكاله المختلفة وتجلياته المتعددة متوهمين أنهم يعبدون الله. الباحث الذي يقدم رؤيته واجتهاداته استنادًا لما جاء في التنزيل العزيز، ومن خارج الإطار والنمط الذي رسخه الفقهاء والدارسين عبر مراحل تاريخية مختلفة ومتعددة –من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب- في هذا الوقت، وقراءته قراءة متأنية ومتمعنة وبخاصة من قبل الفقهاء أنفسهم وقبل الآخرين. فالباحث ليس من دعاة التوفيق، لكنه في الوقت نفسه ليس من دعاة التلفيق، إنما يدعو إلى إعمال العقل والفكر والتساؤل والبحث المتفحص والناقد وصولًا للحقيقة بجوهرها الخالص. ما ورد في هذا الكتاب من قضايا ومفاهيم وآراء وما يقدم هنا من تقييم وتقويم ونقد لآراء الفقهاء والمفسرين التي تتعلق بقضايا المرأة وما يرتبط بإشكالياتها من قريب وبعيد، قد يلقى الرضى والقبول من جانب بعض، وقد يلقى الرفض والمعارضة والاستنكار من جانب بعض آخر، وهذا أمرٌ طبيعي. فالاختلاف في الرأي مطلوبٌ ومستحسن وهو ما يؤدي إلى غنى في الرأي والرأي الآخر واحترامه وتقدير لصاحبه من دون إفساد أو استنكار أو مجادلة دوغمائية لا تؤدي إلا للخلاف.