وصف الكتاب:
كتاب يجمع ما بين "أعمدة الحكمة السبعة" لتوماس ادوارد لورانس، الكتاب الذي وضع فيه لورانس خلاصة تجربته في الشرق العربي وعلاقته بالثورة العربية بقيادة الشريف حسين ما بين الأعوام 1914- 1922، وما بين الرسائل والمذكرات والبرقيات والتقارير العسكرية والسياسية التي تحتفظ بها كل من بريطانيا وفرنسا وغيرها من المصادر حول تلك الفترة من تاريخ منطقتنا وبشكل مكثف جداً. فالكتاب يروي أحداث فترة محدودة من التاريخ، والتي يؤسفنا أن نقول إنه في قمة الإنتصارات التي حققتها الثورة العربية، يتضح وبجلاء أن القرار بهزيمتها كان نتيجة اتفاق دولي ما بين فرنسا التي كانت تعتبر، وبحسب الكتاب، "سوريا ملكاً لها". هذا النوع من الكتب يكتسب أهمية كبرى في قراءة التاريخ العربي بعد أن كشفت الكثير من الوثائق والمعلومات التي كانت تكتسب صفة السرية. إن الحقائق التي تكشف تثبت في كل يوم أن على المثقفين والباحثين العرب بذل الجهود العلمية من أجل كتابة التاريخ بشكل موضوعي وعلمي وبعيداً عن التأثيرات السياسية. الكتاب، يجب أن يقرأه كل مهتم بتاريخ المنطقة، فهو كتاب يشعل في داخلك الغضب. في المقدمة يتحدث جيمس بار عن شيء مهم كان يبحث عنه في 15 آذار مارس 2005، ويعطيك انطباعاً وكأنه يبحث عن شيء أضاعه هو، وإذ به أخيراً يجده في وسط وادٍ صخري، ألا وهو عبارة عن قاطرة بحرية صدئة في قلب صحراء الحجاز. وخلال الرحلة يظهر أنه كان يتتبع خطى لورانس العرب والثورة العربية عندما يصل الى دمشق ليعثر على قاطرة مماثلة في أحد أزقة دمشق القديمة وقد نبتت فيها الأعشاب. التشابه ما بين القاطرات كان مثيراً للإستغراب بالنسبة للكاتب، مع أن جميع القاطرات البخارية في بداية القرن العشرين كانت تتشابه تقريباً، فكيف إذا ما كانت السكة في منطقة كانت تحكمها جهة واحدة هي الدولة العثمانية. ولكن خلال مسيرة الكتاب يثبت الكاتب أن قطار الحجاز وسياسة تفجير السكك الحديدية هي أحد التقنيات التي اتبعها لورانس وبريطانيا من أجل كسب المعركة ضد العثمانيين. ففي كل جزء من الكتاب يكون تفجير قاطرة هو السبيل لقتل عدد أكبر من الجنود العثمانيين وتدمير الإمدادات من السلاح والغذاء من أجل بسط سيطرة الثورة العربية، المفترض، على الجزيرة العربية والمشرق العربي. لا يشرح كتاب "الصحراء تشتعل" الصراع على الشرق العربي فقط، بل يقدم للتنافس الذي كان قائماً ما بين القيادات المتتالية من القادة البريطانيين، والذين كان يحاول كل منهم من أن يفرض وجهة نظره في إدارة الصراع في المنطقة. وحتى أن هناك خلافاً قد دار حول إدارة الحرب وضروراتها في مكاتب القيادات البريطانية في كل من لندن والقاهرة ونيودلهي. وقد يستغرب القارئ الحديث عن تدخلات مكتب نيودلهي، هذه التدخلات التي كانت لها علاقة بمسلمي الهند والباكستان، اللتين كانتا تقعان تحت الإحتلال البريطاني، وكان مسلمو هاتين المنطقتين يشكلون تهديداً للبريطانيين، وكانوا قد ابتدؤوا إثارة الشغب في كل مرة تتم فيها محاولة تقويض سلطة السلطان العثماني الروحية في مكة والمدينة المنورة، أي في الجزيرة العربية. ومن خلال القراءات الشهرية للثورة، يظهر الكتاب أن الصراع لم يكن على مستوى الدول ومختلف المكاتب البريطانية والقيادات الحكومة البريطانية فقط، بل هو ما بين الشخصيات التي رسمت السياسات العامة في الصراع على الشرق العربي على الأرض. فكل شخص كان يحاول أن يفرض أن رأيه هو الصحيح وأن يفرض رؤيته. يبدو ذلك جلياً من خلال الاستياء الذي يبديه لورانس من السياسات المضللة التي اتبعها مكماهون مع الشريف حسين، أو من القيادات العسكرية الشابة التي أرسلت لتساهم في الحرب وتفخيح السكك الحديدية والذين لم يكونوا على دراية بطبيعة العرب أو بكيفية التعامل معهم، أو حتى من خلال الإعتراضات التي كان يبديها الجميع لطبيعة المقاتلين العرب في المعركة والذين كان اتهامهم الدائم بأن كل اهتمامهم منصب على الأكل والنوم، وأن ما دفع بالعرب في الجزيرة العربية لمؤازرة الثورة ضد العثمانيين الى جانب الشريف حسين هو المجاعة التي انتشرت في المنطقة العربية أثناء الحرب العالمية الأولى. في ستة وعشرين قسماً يروي الكتاب أحداث الثورة العربية الكبرى وتفاصيلها الدقيقة، إذ يقدم الكتاب في كل قسم أهم التفاصيل وليس الأحداث فقط بحيث يفصل في كل قسم أحداث شهر في معظم الأحيان. ومن خلال قراءة الكتاب لا يشعر القارئ أنه أمام عمل مؤرخ منفصل عن الأحداث التي تجري. فتارة يبدو ت. د. لورانس، أو كما يسمى بلورانس العرب، وكأنه يروي سيرته الذاتية وتارة يبدو وكأن جيمس بار نفسه يحيا في تلك الحقبة من التاريخ ويرويها كمرافق للورانس نفسه. فالكتاب يعيد شرح ما كتبه لورانس في كتابه "أعمدة الحكمة السبعة" والذي يصف رحلة لورانس في الشرق وعلاقته بالأمير فيصل، ومحادثات حسين– مكماهون، والعلاقة ما بين الشريف حسين وأبنائه، وحجم الخديعة التي تعرض لها الشريف حسين بعد أن وُعد في محادثات حسين- مكماهون بالدعم من أجل إقامة الدولة العربية في الجزيرة العربية وبلاد الشام وما بين النهرين، على أن تكون تلك الدولة مدعومة وصديقة لبريطانيا. كما وُعِد الشريف بأن لا سلطة لفرنسا في سوريا. كذلك قدم الكتاب محاولات لورانس إلغاء اتفاقية سايكس- بيكو من خلال فرض انتصارات الثورة، والتي باءت بالفشل فيما بعد، لأنه عندما خُيرت بريطانيا ما بين عداء فرنسا وما بين صداقة العرب، كان خيارها المحافظة على فرنسا كدولة حليفة لها. في هذه المرحلة التاريخية حاولت فرنسا الدخول الى الحجاز من أجل دعم الشريف حسين، والذي كان أعظم الأخطار التي يتعرض لها هو دعم البريطانيين لقوة عبدالله بن سعود والوهابيين المتعاظمة. كما حاولت فرنسا من أجل فرض وجودها إرسال فرق مسلحة فرنسية "مسلمة" من المغرب العربي، وهذا ما استنكره البريطانيون بشدة. إذ أن تدخل فرنسا لسوف يحرمهم من المميزات السياسية التي سيحصلون عليها جراء انتصار الشريف حسين. وهذا ما أوضحه مكماهون في برقيته الى الحكومة البريطانية. وفي الوقت ذاته كان مكماهون يخشى ردة الفعل العربية في حال انكشفت بنود اتفاقية سايكس- بيكو. وما دفع البريطانيين إلى تزويد الشريف حسين بالسلاح هو استقبال الشريف للفرنسيين فعلياً ومحاولة التفاوض معهم. ويظهر هنا دور مكتب نيودلهي البريطاني في منع تزويد حسين بالرجال. وكنتيجة للمحادثات التي ابتدأها مكماهون في أيار مايو 1915، وفي محاولة لضبط تدخلات مكتب نيودلهي وبعد ظهور التخوفات من تدخل الفرنسيين ظهر توماس ادوارد لورانس الى الواجهة، وهو ضابط شاب مطلع على تاريخ العرب ويتحدث بلغتهم، والذي أنيطت به مهمتان: الأولى هي القضاء على طموح فرنسا بالعودة الى سوريا، وكان في رأيه أن انتصار ثورة الحسين ووصولها الى سوريا سيمنعها من ذلك. وأما المهمة الثانية فتقضي بتوحيد السياسة البريطانية في كل من لندن والقاهرة ونيودلهي تجاه الشرق الأوسط، والتي بقي مكتب نيودلهي يرفضها وبكل حزم. انتشرت الأمراض في الجزيرة العربية إبان انطلاق سكة الحديد وبخاصة حمى التيفوئيد. وحمى التيفوئيد هذه، كانت المرض الأساسي التي أبيدت بسببه قبيلتان أو أكثر في الجزيرة العربية والتي حملتها إليهم سكة الحديد. فيظهر الصراع ضد العثمانيين وكأنه في جزء منه كصراع ضد سكة الحديد التي مدّها العثمانيون من الشام الى الحجاز، والتي سمّيت بسكة الحجاز، من أجل تسهيل وصول الحجاج الى مكة. حيث اختصرت سكة الحديد الوقت اللازم للحج وحمت الحجيج من حوادث النهب والسرقة التي كانوا يتعرضون لها. ولكن على المقلب الآخر فقد سبب القطار الكساد الإقتصادي في الجزيرة العربية، إذ كان البدو يقومون بتأجير جمالهم لنقل الحجاج الى مكة، ويقومون بتزويدهم بالطعام والغذاء وتأمين الحماية لهم من قطاع الطرق. غير أن السكة الحديدية نقلت الأمراض الى داخل الجزيرة وهو نوع من الأمراض لم تكن تعرفه قبلاً. وكانت سكة القطار هي أحد أشكال الدعم التي أثبتت أن السلطة العثمانية كانت مدعومة كسلطة روحية من قبل مسلمي أفغانستان والباكستان والهند الذين أرسلوا تبرعات وصلت قيمتها إلى أكثر من مليون ليرة عثمانية مكنت من بناء سكة الحديد خلال وقت قصير.