وصف الكتاب:
إليزابيث كستلو روائية استرالية في خريف العمر "ليس بحال من الأحوال كاتبة مريحة. ربما حتى تكون قاسية، بالطريقة التي قد تكون عليها امرأة من النادر أن يحتملها الرجال. أي نوع من الكائنات، حقا؟ ليست فقمة؛ ليست لطيفة بما يكفي لذلك. لكنها أيضا ليست سمكة قرش. قطة. إحدى القطط الضخمة التي تتوقف و هي تنزع أحشاء ضحيتها و ترمقك، عبر البطن الممزق المفتوح، بنظرة صفراء باردة." تسافر إليزابيث في أصقاع العالم لتلقي محاضرة هنا و تشارك في مؤتمر هناك و ربما يعرض لها نقاش بين هنا و هناك فتدلي بدلوها فيه... و كثير من التنظير و السفسطة و التجريد... و كثير من الكلمات و الأفكار و الحجج و الحوم و الحوم و الحوم حول اللاشيء!!! فإليزابيث لا تؤمن حقيقة بشيء، و نجد شعورها هذا دائما يظهر بعد أي نقاش أو محاضرة، فهي رغم منافحتها الشديدة عن بعض الأفكار حد التطرف أحيانا إلا أنها في قرارة نفسها ليست واثقة مما تؤمن به أو حتى تنافح لأجله، بل حتى أنها لا تدري لم تفعل ذلك أصلا!!! ثم أتت الخاتمة المبهمة التي بدت لي بمثابة التلخيص لكل هذه النقاشات و ظهرت فلسفة كوتزي من الرواية برمتها... فنرى إليزابيث عالقة في عالم ما، تريد أن تعبر بوابة و عليها أن تقر قبلا بما تؤمن به لتمر... أهو كابوس، أهو موت، أهو منزلة بين الحياة و الموت، بل هل هو عقاب كوتزي لمصنوعته إليزابيث و تركها معلقة هكذا!؟ لا يدري القارئ... كل ما يراه هو خلاصة كل الرواية... الحيرة و عدم وجود ما تؤمن به لتعبر البوابة... الرواية فكرية بالمقام الأول، خالية من الأحداث تقريبا، مسحوبة التشويق، محشوة تنظيرا و تفلسفا و نقاشات مطولة... و إنما هي متعة ذهنية لمن يحب السفسطة... و لكن العبقرية في رأيي كانت في الفكرة بحد ذاتها... في تبيان هذا الصراع الداخلي في الذهن... أن ينتزع كوتزي شخصية من نفسه، فيصنع جسما _هو إليزابيث_ يحوي حيرته و تناقضاته ثم ينظر إليها تتعذب و هي عالقة... فكوتزي الذي يعرف عنه أنه لا يحاضر _كما كـُـتب على غلاف الرواية_ جعل اليزابيث تلف العالم محاضرة و هي تشعر بالغثيان و العبث و اللاجدوى من كل هذا الهراء... و كوتزي الذي قرأت له رواية في انتظار البرابرة و جعلتني أشطبه من قائمتي نظرا للمعاناة التي أذاقنيها في روايته و هو يصف قبح و فظاعة البشري و ظلمه، هذا الـ كوتزي يجعل بطلته إليزابيث تهاجم بشدة الروائي الذي يكتب عن الشر و الظلم و يصفه بدقة، و كأنه يفتح قارورة للجن فينتشروا في الأرض و يفسدوا فيها، أو يفتح جرحا منتنا فينتشر القيح و الصديد في الجو و ينشر الوباء... إليزابيث تنتقد ذاك الروائي الذي كتب عن الشر بأن الشيطان مسه و لا سبيل لشفائه... و لكن لحظة، ألا تكتب هي شيء كهذا لو أتيح لها؟ _هكذا فكرت هي و ربما كوتزي من ورائها_ فلماذا تعترض!؟ نعود لنقطة البداية من أنها تتحدث عن ما لا تدري ماذا...