وصف الكتاب:
كنت أفكر بسرعة خفقان قلبي في طبيعة ما ينتظرني، كنت أتوقع كل شيء، أحسست في تلك اللحظة وأنا أقاد كسقط المتاع ممنوعاً من أبسط نعم الله عليّ - نعمة البصر! شعرت بقيمة العمل الذي من أجله اعتقلت، ومن أجله قد أعدم خلال ثوان، تمثلت أمامي في تلك اللحظات كل القيم المحلقة التي من أجلها انتفضت ليبيا قبل عدة أسابيع، إلا ما أغلى معاني الكرامة الإنسانية، أحسست أني واحد من آلاف العرب الذين يساقون إلى المقاصل ليدفعوا ضريبة عودة أمتهم إلى مسرح التاريخ. كانت كل خطوة أخطوها موقعة بآلاف الأخيلة والصور البعيدة والقريبة، الواضحة والقائمة، الدالة والسخيفة، هل سأدخل غرفة من غرف التعذيب المجهولة التي عجز الخيال العربي المجنح طيلة الخمسين عاماً الماضية عن وصف بشاعتها؟ هل أراها أخيراً رأي العين بعد كل ما قرأت عن أهوالها ممارسته أخيلة الأدباء والشعراء ومجازات البلغاء؟ هل ســ"أفتح" عيني حين أفتحها" على إحدى الغرف التي وصفها "عبد الرحمن منيف" في شرق المتوسط، هل سأفتح عيني لأرى رجالاً معلقين تطفأ السجائر في أجسادهم بينما يتمايل الجلاد تملأ ضاحكاً، والضحية تتلوى بين يديه، روحاً تئن؟ هل أنا داخل سجن تازمامارت الليبي وسأكابد كل ما كابده أحمد المرزوقي من تزممات: الزنزانة رقم 10.... ثم وقفت معصوب العينين مرتاع الفؤاد مشتت الفكر داخل غرفة التحقيق، رغم الفزع الذي كان ينتابني خوفاً من لحظة النهاية أو لحظة التعذيب، كان هناك شعور موازٍ بملأ نفسي بهجة وثقة بالنفس.