وصف الكتاب:
إن هذا الكتاب يتناول بالبحث والتحقيق ثلاثةَ جوانبَ أساسيةٍ، وهي: أولاً: ترجمة السيد عمر بن حسين البَلْخي الجد الجامع للسادة آل البَلْخي الهاشميين الحسينيين الموسويين، مع ذكر تسلسل نسبه المحقق صعوداً إلى الإمام علي بن أبي طالبٍ كرَّم الله تعالى وجهه. والجانب الثاني: هو ذِكْرٌ وترجمةٌ مختصرةٌ لذريته مع أماكن سكناهم بقدر الممكن، وثالثاً: إظهار الصور لِمَا تمكنَّا من الحصول عليه من الوثائق والمخطوطات حول هذه الأسرة الهاشمية المباركة؛ منها ما يعود لأكثر من مائة عامٍ. من الكتاب: إن علم الأنساب هو علمٌ أصيلٌ، قد ذكره الله تعالى في كتابه، ونبَّهنا النبي عليه الصلاة والسلام لتعلمه على الوجه المحمود، فإن الله تعالى خلق الخلق ونشره بحكمته وشعَّبه بقدرته، وإن أكرم الناس عند الله تعالى أتقاهم، وهذا هو معيار التكريم الإلهي للناس: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، والمجتمعات الإنسانية منذ القدم اتجهت لتكوين مفاهيمَ إنسانيةٍ تطورت مع مرور الزمن لتصير ضوابطَ وقِيَماً اجتماعيةً تحكمهم قدر الإمكان. وعِلم الأنساب يجمع بين التاريخ الإنساني وعلم الاجتماع؛ ولذلك فهو يُصنَّف من العلوم الإنسانية والاجتماعية الهامة، حتى أن رسل الله تعالى عليهم السلام إلى الناس تجد أنسابهم ناصعةً لا غبار عليها، وهذا من التوافق بين القيم الإنسانية الحميدة وبين التشريع الإلهي الحكيم. وخير تعريفٍ للنسب نجده في قول الله عز وجل في محكم التنزيل: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان: 54]، والآية تُبيِّن أصل الناس جميعاً، وتُبيِّن كيف يجعل الله تعالى من البشر النسبَ والصهرَ، فقال بعض أهل العلم: إن النسب هو كل ما نتج عن مَرْجِ ماء الذكر بالأنثى على وجه الشرع، فإن كان بمعصيةٍ لم يكن من النسب([1])، وقيل: الصهر قرابة النكاح، وقيل: الصهر يحل نكاحه([2])؛ وبناءً على ذلك كان النسب أوثق من الصهر، حيث أن النسب إذا ثبت شرعاً فإجمالاً لا ينفك، وأمَّا الصهر فينفك. وكانت العرب أشهر أُمَّةٍ اعتنت بالأنساب من بين الأمم الإنسانية، والعرب تنقسم إلى قسمين عظيمين؛ هما: العرب العدنانيون والعرب القحطانيون، وكانت أول مصاهرةٍ مشهورةٍ بين العدنانيين والقحطانيين هي مصاهرة النبي إسماعيل بن إبراهيم -جد آل عدنان- لقبيلة جُرْهُم القحطانية، وذلك بزواجه من ابنة مُضَاض بن عمرو الجُرْهُمي، والتي ولدت له اثني عَشَرَ ابناً وابنةً واحدةً اسمها نسمة، زوَّجها لابن أخيه إسحاق([3]). ومن بين الشعوب العدنانية برزت قبيلة قريشٍ العدنانية الْمُضَرية الكِنانية، التي حازت على شرف ولاية البيت الحرام، وكان من بين أشهر زعمائها سيِّدُ مكةَ قُصَي بن كِلابٍ وفارسُها، الذي أفرد سكنى مكة لقريشٍ، وحاز السِّدَانَة والسِّقاية والرِّفَادة ولواء الحرب، وأنشأ دار النَّدْوة لإدارة شؤون مكة المشرفة، وقد اجتمع النسب العدناني والقحطاني في قُصي بن كِلابٍ عن طريق والدته فاطمة بنت سعدٍ الأَزْدِيَّة السَّبَئيَّة القحطانية. ومن قريشٍ برزت عشيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام بنو هاشـــــم، الذين تولوا السِّقاية والرِّفَادة عند البيت الحرام بالبلد الحرام، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو خِيارٌ مِنْ خِيارٍ، فهو عربيٌّ عدنانيٌّ مُضَريٌّ كِنانيٌّ قُرَشيٌّ هاشميٌّ، اسمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كِلابٍ. وهنا أقول: إن النسب الهاشمي قد نما من أطهر أنساب السلف المحفوظة من النقص والتلف، خلفاً عن سلفٍ، وبظهوره اكتسى أبهى حُلَل القِيَم والشرف، باذلاً دونه كل غالٍ وترفٍ، فالله تعالى درَّه من كرامةٍ وشرفٍ. وكانت العرب قديماً تَنْسِب الرجل إلى جده أو عشيرته، فلما انبلج نور الإسلام المحمدي من جزيرة العرب لِيَشُعَّ على وجه الأرض، وتوثَّقت عُرَى الدولة الإسلامية الأولى على أيدي الصحب الكرام، وتتابع ضم بلاد غير العرب من فُرْسٍ ورومٍ وقِبْطٍ وزِنْجٍ وغيرهم إلى دولة العرب المسلمة الفتيَّة؛ اختلطت القبائل والشعوب العربية بغيرها من الشعوب والقبائل غير العربية، وهاجر الرجال إلى بلدانٍ لم تكن لعشائرهم، وعندها بدأت النسبة إلى البلدان تطغى على النسبة إلى الأجداد؛ لهذا كان علم الأنساب حاضراً لِيُجْلِيَ للسائلين ما خَفِيَ وغاب، ويُبَيِّن ما اختلط بين البلدان والأنساب. ([1] (أحكام القرآن لابن العربي الأندلسي. ([2] (معاني القرآن لأبي زكريا الفرَّاء. ([3] (البداية والنهاية لابن كثير.